لا يمكن فهم حركة "حزب الله" على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لناحية حدود استعداده لتوسيع نطاق الاشتباك مع إسرائيل، إلا من خلال فهم الصورة الكبرى للحرب بين الأخيرة و"حركة المقاومة الإسلامية" (حماس)، بكل موازين قواها الدولية والإقليمية وبكل تعقيداتها وخطوطها الحمراء المتأرجحة وغير الواضحة حتى اللحظة.
بهذا المعنى لا يمكن اعتبار أن "حزب الله" يتصرف في هذه الحرب كفصيل لبناني يحدد خياراته بناء على حسابات ومحاذير لبنانية متعلقة بالوقائع الاقتصادية والسياسية في لبنان وحسب، بل يتصرف بوصفه جزءا أساسيا من "المعركة الكبرى"، باعتبار أنه يأتي بعد حماس مباشرة في ترتيب أعداء إسرائيل في هذه الحرب. وهذا ما يمكن استنتاجه من متابعة المواقف الإسرائيلية والتي تفيد بأنه لا يوجد فصل تام في العقل الإسرائيلي العميق بين الحزب والحركة في هذه الحرب، ولكنّ تل أبيب تحاذر من مواجهة مع الحزب بالنظر إلى عدم رغبتها وربما عدم قدرتها على خوض حرب على جبهتين؛ بيد أن حقيقة الأمر أن "التداخل الاستراتيجي" بين حماس، و"حزب الله" في هذه الحرب أكبر من قدرة إسرائيل على احتوائه والتغاضي عنه.
وهذا أمر لا يفوت "الحزب" في قراءته لمجمل تطورات الحرب ومواقف القوى الدولية والإقليمية منها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي أعطت وظيفة واضحة لحاملات الطائرات التي أرسلتها إلى المنطقة، وهي "الردع الإقليمي"، وهو ما فُسر لاحقا من قبل مسؤولين أميركيين بأنه يعني أولا "حزب الله"؛ بمعنى أن "عودة" أميركا إلى المنطقة في سياق هذه الحرب هدفها ردع "الحزب" عن الانخراط فيها على نحو واسع.
وفي المقابل ردت إيران و"حزب الله" سريعا على "الرسائل الأميركية" من خلال تحميل واشنطن المسؤولية الرئيسة عن قرارات إسرائيل في الحرب- كما جاء على لسان المرشد الإيراني علي خامنئي، يوم الثلاثاء- وصولا إلى تهديد فصائل موالية لإيران، تحديدا في العراق وسوريا، لـ"المصالح الأميركية" في المنطقة، وهو ما بدا أنه دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء، إذ أسقطت القوات الأميركية ثلاث طائرات مسيرة في محيط قاعدة "عين الأسد"، غربي العراق.
الصراع على "الشرق الأوسط"
يحيل هذا الصراع إلى الحسابات الإيرانية الكبرى في المنطقة والمتصلة أساسا بسياق المواجهة/ المفاوضة مع الولايات المتحدة والصراع المفتوح على النفوذ في المنطقة والذي تتداخل فيه عوامل دولية وإقليمية عدة من ضمن الصراع الكبير على الشرق الأوسط، والذي اندلع بنسخة جديدة منذ الحرب الأميركية ضدّ نظام صدام حسين عام 2003. وليس قليل الدلالة في هذا السياق حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أن الحرب ضدّ حماس "ستغير الشرق الأوسط"، وهو ما يستحضر كلام الأمين العام لـ"حزب الله" في أعقاب حرب يوليو/تموز 2006، عن أن تلك الحرب أسقطت مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي كانت الإدارة الأميركية قد أطلقته بالتزامن مع "حرب العراق".