"حرب رقمية" بين السرديتين الفلسطينية والإسرائيلية حول غزّةhttps://www.majalla.com/node/302301/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%B1%D9%82%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%BA%D8%B2%D9%91%D8%A9
أضحت شبكات التواصل الاجتماعي واحدة من أهم أدوات صياغة الوعي وتوجيه الرأي العام نحو أي سردية يراد تعميمها وتسويقها. من هذا المنطلق، يستخدم الفلسطينيون شبكات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع من أجل إيصال روايتهم، وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان بالصور والفيديوهات والبثّ المباشر. وكذلك للخروج من هيمنة وسائل الإعلام الغربية الأقرب إلى السردية الإسرائيلية، بل إن بعضها تبنى تلك السردية بشكل كامل، فارضا على الرأي الفلسطيني نوعا من المنع أو الحجر، أو التقييد في حده الأدنى، مثلما حاولت محطتا "سي إن إن" الأميركية و"بي بي سي" البريطانية مع السفير الفلسطيني في بريطانيا حسام زملط، الذي أظهر براعة دبلوماسية رفيعة المستوى. فلم ينجح فقط في الإفلات من فخ إدانة عملية "طوفان الأقصى"، بل عرف كيف يوصل وجهة النظر الفلسطينية حول النطاق الأوسع لهذا الصراع.
وللتدليل أكثر على مدى التضييق الذي تعتمده محطات التلفزة الغربية على القضية الفلسطينية، فإن محطة "بي بي سي" أعلنت عن فتح تحقيق مع ستة صحافيين عرب بسبب تغريدات عن فلسطين. ليس ذلك فحسب، بل إن قناة "أم أس إن بي سي" الأميركية أبعدت ثلاثة مقدّمين بسبب انتقاداتهم لإسرائيل.
لا بد من التذكير بأن الشركات التي تملك هذه المنصات جميع أصولها وأموالها في الغرب، بما يمنح الحكومات الغربية قدرة هائلة للضغط عليها، وخاصة الإدارة الأميركية، إذ أن المنصات البارزة جميعها مملوكة من شركات أميركية
من هذا المنطلق، يعتبر الفلسطينيون أن شبكات التواصل الاجتماعي تشكل الفضاء الرحب لإبراز قضيتهم الى العالم، على اعتبار أنه متحرّر نسبيا من القيود والرقابة.
حرب غير عادلة
بهدف توثيق اللحظة التاريخية غداة عملية "طوفان الأقصى"، سارع الفلسطينيون، وحركة "حماس" أيضا، إلى نشر العديد من الصور والمنشورات والفيديوهات التي توثق العملية وتثبت الانكسار الإسرائيلي الفاضح على شبكات التواصل الاجتماعي، وبخاصة "فيسبوك" و"إنستغرام" ومنصة "أكس".
بيد أن أغلب هذه المنشورات كان موجها للعالم العربي لانتشاله من حالة الإحباط ولإعادة تسليط الضوء على القضية الفلسطينية "قضية العرب المركزية". وهذه هي الثغرة التي عمل بنيامين نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف التي يرأسها على استغلالها، ولا يزالون، لتسويق سردية مغايرة تماما لدى الرأي العام الغربي تبرز المظلومية الإسرائيلية، وتساعد الحكومة على حشد دعم أميركا وأوروبا من أجل شن حرب شاملة على قطاع غزة. إذ استفاد الجانب الإسرائيلي من عشرات الصور والفيديوهات من أجل توكيد مظلوميته وترسيخ سرديته.
بالطبع ثمة العديد من الصحفيين والمؤثرين الفلسطينيين الذين تصدّوا لهذه السردية وبذلوا جهودا رقمية كبيرة لدحضها، وبخاصة مع بدء القصف الإسرائيلي المجنون على غزة والمجازر الدموية التي أفضى اليها. دخل المغردون الفلسطينيون والعرب في مواجهة إلكترونية شرسة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
ولعلّ هذا ما دفع بالسلطات الأميركية والأوروبية إلى محاولة السيطرة على الفضاء الإلكتروني وفرض ضغوط على المنصات بهدف حجب المحتوى الفلسطيني والعربي. وقد اعتبر كثر من المعلّقين هذا التدخل بمثابة ازدواجية في المعايير الثقافية الغربية في مقاربة القضية الفلسطينية بالمقارنة مع الحرب الروسية – الأوكرانية.
وهنا لا بد من التذكير بأن الشركات التي تملك هذه المنصات جميع أصولها وأموالها في الغرب، بما يمنح الحكومات الغربية قدرة هائلة للضغط عليها، وخاصة الإدارة الأميركية، إذ أن المنصات البارزة جميعها مملوكة من شركات أميركية، مثل ميتا (فيسبوك، إنستغرام)، وإكس (توتير سابقا)، وألفابيت (غوغل، يوتيوب).
أما في الجانب الأوروبي، فقد سارع مفوض الشؤون الرقمية تييري بريتون إلى إرسال رسائل إلى "ميتا" و"إكس" في 10 أكتوبر/ تشرين الأول، وكذك "ألفابيت" فيما بعد، يطلب فيها تقييد وإزالة كل محتوى يدعم القضية الفلسطينية بحجة الإرهاب وخطاب الكراهية، ملوحا بعقوبات وغرامات مالية، خاصة بعد بدء سريان قانون الخدمات الرقمية الأوروبية في شهر أغسطس/ آب الماضي، والذي يمنح الاتحاد الأوروبي سلطة تحديد المعايير المتعلقة بحذف المحتوى من عدمه. وفي حال لم يكن المحتوى مناسبا، فإن الاتحاد الأوروبي لديه سلطة مطالبة شركات مواقع التواصل بإزالته خلال مهلة 24 ساعة، تحت طائلة فرض عقوبات وغرامات تصل إلى 6 % من مبيعات الشركة العالمية الإجمالية.
أصدرت شركة "ميتا" بيانا قالت فيه إنها أزالت 795 ألف محتوى بالعربية والعبرية لأنها تخالف قواعد سلوك منصاتها. لكنها لم توضح حصة كل ثقافة منهما من الحذف
كشفت هذه الممارسات المعايير الغربية الفضفاضة، لاسيما في تعريف الإرهاب وخطاب الكراهية، ليصبح كل خبر أو معلومة تتعلق بالقضية الفلسطينية، وأي فيديو أو صورة توثق الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين، موضع مراقبة وحذف. وحسب عدد من المعلقين العرب، فإن عملية طوفان الأقصى أعادت تظهير الإشكالية العميقة بين الغرب والشرق، حيث تظهر الفوقية الغربية بصورة فاقعة في طريقة مقاربة الحكومات والمؤسسات لما يجري في فلسطين، وعودة التقسيم النظري الثقافي لـ"نحن" و"هم".
وبمعزل عن أي تقييم لعملية "طوفان الأقصى"، فإن السردية الغربية بنيت على اقتطاع كامل للحدث من جذوره وكأنه معزول تماما عن كل ما سبق العملية من انتهاكات إسرائيلية بلغت مدى غير مسبوقة خلال تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
ميتا المطواعة
وبالفعل فقد أصدرت شركة "ميتا" بيانا قالت فيه إنها أزالت 795 ألف محتوى بالعربية والعبرية لأنها تخالف قواعد سلوك منصاتها. لكنها لم توضح حصة كل ثقافة منهما من الحذف، حيث أبدى عشرات الناشطين الفلسطينيين استياءهم منها لأنها حذفت منشوراتهم من دون إرسال إشعارات للمستخدمين أو تقديم توضيحات، كما حدّت من قدرتهم على نشر أي شيء يتعلق بفلسطين.
وكانت "ميتا" قد أكدت في بيانها أنها وسعت بشكل مؤقت تطبيقها لسياسة إزالة المحتوى المحرّض على العنف وخطاب الكراهية. وحدّدت بوضوح المحتوى الذي يتحدّث عن هوية محتجزين لدى "حماس"، حتى إن كان منشورا للتنديد أو التوعية بالموقف. وتذرعت "ميتا" بتهديدات "حماس" بنشر لقطات للرهائن، وأنها ستزيل بسرعة أي محتوى من هذا النوع وتمنع إعادة النشر والمشاركة.
في المقابل، ماذا عن عمليات قصف المدنيين وقتلهم في غزة؟ هذه أيضا تخضع للمعايير المجحفة نفسها. فمقابل الحرم الفلسطيني، انتشرت المنشورات الإسرائيلية التي تدعو إلى إبادة غزة وقتل المسلمين أو العرب، ولم تحذف أو يقيّد نشرها.
وعموما، فإن "ميتا" بدأت منذ عام 2016 التضييق على القضية الفلسطينية ومنشوراتها غداة ما يعرف بـ"الانتفاضة الفلسطينية الثالثة" أو "انتفاضة السكاكين". إذ لاحظت الحكومة الإسرائيلية مدى تأثير شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك"، في الإضاءة على المَظلمة الفلسطينية. فكان أن قرّرت تأسيس وحدة "سابير" التابعة للحكومة الإسرائيلية، والتي تعمل ضمن النيابة العامة الإسرائيلية، وأنيطت بها المسؤولية عن العلاقة مع شركات المالكة لشبكات التواصل الاجتماعي، من أجل فرض رقابة على المحتوى.
وقد صدر العديد من التقارير عن مؤسسات غربية وعربية تتحدّث عن أن نشاط هذه الوحدة موجه بأغلبه ضد المنشورات التي ترى أنها تدعم منظمات إرهابية أو تسعى للتحريض على خطاب الكراهية، طبعا وفق المنظور الإسرائيلي الخاص والضيق. من جانبها سبق أن اعترفت إدارة "فيسبوك" بأنها استجابت لنحو 90 % من طلبات وحدة "السايبر" الإسرائيلية خلال السنوات الماضية من أجل حذف منشورات وحسابات فلسطينية.
يقول أشرف زيتون، مدير سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في" فيسبوك" سابقا في تصريحات صحافية إنه "منذ عام 2016، حصل نوع من الانقلاب في سياسات "فيسبوك" تجاه المحتوى العربي وخاصة الفلسطيني، وذلك بحجة أن المحتوى "معادٍ للسامية أو داعم للجماعات الإرهابية".
محاولات التحايل
لم يركن الفلسطينيون لمحاولات "ميتا" و"فيسبوك" بالتحديد تقييد قدراتهم في النشر، حيث استخدموا الخداع للتغلب على خوارزميات "ميتا" من خلال تكثيف قاعدة النشر وتوسيعها، واستخدام بعض التفاصيل المعرقلة للرقابة والحذف، مثل التلاعب بالأحرف والكلمات.
بيد أن "ميتا" حسب خبراء شبكات التواصل تستخدم شكلين من الرقابة: الأول عبر الذكاء الاصطناعي للتعرف على المحتوى غير المناسب، وفق قواعد سلوك المنصات الخاص بـ"ميتا". والثاني الرقابة البشرية عبر جيش مكون من عشرات الموظفين الذين يراقبون المحتوى، والذين قد تتأثر قراراتهم بجذورهم الهوياتية والفكرية.
لم يركن الفلسطينيون لمحاولات "ميتا" و"فيسبوك" بالتحديد تقييد قدراتهم في النشر، حيث استخدموا الخداع للتغلب على خوارزميات "ميتا" من خلال تكثيف قاعدة النشر وتوسيعها، واستخدام بعض التفاصيل المعرقلة للرقابة والحذف، مثل التلاعب بالأحرف والكلمات
هذا وتشير معلومات متداولة بكثرة في المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي إلى أن المئات من العاملين في الرقابة البشرية لـ"ميتا" يحملون الجنسية الإسرائيلية. وأبرزهم على الإطلاق آدم موسيري، رئيس منصة "إنستغرام"، وديفيد فيشر مدير الإيرادات المالية في "فيسبوك". كذلك أيضا إيمي بالمور، المديرة السابقة في وزارة العدل الإسرائيلية، والتي كانت تشرف على إدارة وحدة "السايبر"، والتي جرى تعيينها في مجلس الرقابة لـ"فيسبوك".
وتشير جولي أوانو، وهي عضو في مجلس الإشراف في "ميتا" في حديث صحفي إلى "وجود جيش إسرائيلي كامل مهمته التبليغ عن المحتوى الفلسطيني أو المناهض لإسرائيل". فضلا عن دور اللوبيات الإسرائيلية في تشكيل شبكات ضغط على منصات التواصل الاجتماعي للتأثير على القواعد التي تحكم عمل الخوارزميات.
وحسب تجربة قام بها برنامج تلفزيوني قبل عملية "طوفان الأقصى" تمثلت بإنشاء حساب عربي على "يسبوك"، وآخر عبري، وضع فيهما المحتوى نفسه عن مقتل فلسطينيين. بينت التجربة أنه جرى حذف المنشور في الصفحة العربية مع إرسال تنبيه بحجبها نهائيا، الأمر الذي لم يحدث في الصفحة العبرية أبدا رغم النص التحريضي، بما يؤكد أن الرقابة موجهة فقط إلى المحتوى العربي.
مع ذلك، نجح المؤثرون الفلسطينيون والعرب في الالتفاف على كل هذه العقبات ونشر محتوى عن القضية الفلسطينية باللغة العربية وبلغات أخرى. بل إن "طوفان الأقصى"، قابله طوفان مماثل على شبكات التواصل الاجتماعي، ومنها "فيسبوك". الملفت أن الأخير لم يحذف الصور والفيديوهات في البداية، بمعنى أنها تتوافق مع قواعد السلوك فيها، لكن تدخل الحكومات الغربية دفع بإدارة "فيسبوك" إلى التدخل وتعديل قواعد السلوك، وحذف جلّ ما يتعلق بطوفان الأقصى.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل الى حذف التحليلات السياسية، وكذلك إقفال حسابات أيضا. وتشير الصحفية الفلسطينية مريم البرغوثي الى أن "شركة ميتا بدأت في إغلاق الحسابات الفلسطينية التي توثق وتقدم التحليل السياسي لما يحصل في فلسطين". واتهمت البرغوثي "ميتا" بـ"الاستهداف الاستراتيجي للسردية حول ما يحصل في غزة، وبناء أسس للتهرب من أي مساءلة مقبلة لإسرائيل".
حرية "إكس" المقيّدة
ما فعلته "ميتا" في منصاتها لم ينطبق تماما على منصة "إكس" التي يمتلكها الملياردير إيلون ماسك، والتي تركت الأمور على عواهنها، مما أتاح المجال للمغردين العرب والفلسطينيين لتقديم سرديتهم. ويندرج ذلك ضمن دعم المنصة ومالكها لحرية التعبير، حيث سبق أن خففت "أكس" من الإشراف على المحتوى في إطار دعمها لحرية التعبير. كما أنها انسحبت من تعهد تدعمه بروكسل بمعالجة التدخل الأجنبي الرقمي، وأعدت خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها.
وهنا مرة أخرى يتدخل الرقيب الغربي لفرض معاييره الخاصة، وإثبات مدى تحيزه. فقد تعالت الأصوات والانتقادات في أميركا وأوروبا ضد إيلون ماسك مرفقة بكليشيه "معاداة السامية". وتحت وطأة الضغوط وتلويح المفوضية الأوروبية بالعقوبات والغرامات، رضخت "إكس" و"أزالت عشرات الآلاف من المنشورات والتغريدات"، وفق رسالة وجهتها الرئيسة التنفيذية لمنصة "إكس" ليندا ياكارينو، ردا على رسالة مفوض الشؤون الرقمية في الاتحاد الأوروبي تييري بريتون. وبذلك حرم الفلسطينيون والعرب من النشر حول إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل تجاه المدنيين الفلسطينيين، مقابل ترك الإسرائيليين وداعميهم ينشرون ما يحلو لهم دون أي قيود حتى لو تضمن ذلك الدعوة إلى قتل الفلسطينيين جميعا.
حسب مؤسسة "حملة" – المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، وهي مؤسسة أهلية فلسطينية غير ربحية تعمل على مناصرة الحقوق الرقمية للفلسطينيين بهدف الوصول إلى فضاء رقمي آمن وعادل، فقد جرى حذف وسم "طوفان الأقصى"، في حين لم يحذف وسم "السيوف الحديدية"، وهو الاسم الرمزي لعملية الإبادة الإسرائيلية الجارية في غزة.
ويشير تقرير صادر عن "حملة" إلى أنها رصدت أكثر من 19 ألف منشور بالعبرية يحرّض على الكراهية والعنف على منصة "إكس"، من بينها دعوات لـ"حرق غزة" و"الموت للعرب"، إضافة إلى أخبار كاذبة حول الأسرى والحديث عن ذبح وجرائم لم تحصل. كما بيّن مدير "حملة" أن المنصة لا تحوي نظام رقابة بالعبرية.
يشير تقرير صادر عن "حملة" إلى أنها رصدت أكثر من 19 ألف منشور بالعبرية يحرض على الكراهية والعنف على منصة "إكس"، من بينها دعوات لـ"حرق غزة" و"الموت للعرب"، إضافة إلى أخبار كاذبة حول الأسرى والحديث عن ذبح وجرائم لم تحصل
ولعلّ الدليل الأبرز على حجم التضليل، هو تغريدة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي عرض على حسابه عبر "إكس" صورا لطفل متفحم ادّعى أنها لطفل إسرائيلي وغرد قائلا: "أحرقوا (حماس) عشرات الأطفال وأعدموهم وقطعوا رؤوسهم. لم نشهد مثل هذه الوحشية في تاريخ دولة إسرائيل. إنهم أسوأ من داعش، وهكذا يجب أن نتعامل معهم".
وهذه التغريدة هي الأساس في السردية التي جرى بناؤها في الغرب، حيث جرى تناقل وتداول التغريدة والصور على نطاق واسع جدا وصل الى أعتاب البيت الأبيض في واشنطن. ومن الذين عملوا على تسويق هذه السردية كانت سارة سيندر، مذيعة قناة "سي إن إن"، والتي اعتذرت فيما بعد، عندما تبين زيف ادعاءات نتنياهو، كذلك نفى البيت الأبيض أي تصريحات تتبنى هذه السردية. وكان الإعلامي الأميركي جاكسون هنكل كشف أن الصور المحترقة التي عرضها رئيس الحكومة الإسرائيلية، وكذلك وزير خارجية أميركا أنتوني بلينكن، على حسابيهما عبر منصة "إكس" تعود لكلب يخض للعلاج وجرى تحويلها عبر الذكاء الاصطناعي.
وحتى الآن لم يسحب نتنياهو تغريدته، ولا قامت إدارة "إكس" بحذفها، بما يؤكد عدم وجود رقابة على المحتوى العبري، وأن إدارة المنصات تتعامل بازدواجية واضحة مع المحتوى الإسرائيلي والعربي. تكفي الإشارة إلى أن جملة بالكامل هي "من البحر إلى النهر" سواء كانت بالعربية أو الإنكليزية حظرت تماما بحجة "معاداة السامية".
رغم كونها حربا غير عادلة، ورغم الهيمنة الإعلامية الغربية وكل محاولات فرض سردية محرفة ومنحازة تدوس على دماء الفلسطينيين ومعاناتهم المستمرة منذ عقود، لم ييأس المؤثرون والمغردون العرب والفلسطينيون، ولا يزالون يحاولون بشتى السبل خلق جبهة ضغط على الشركات المالكة لمنصات التواصل الأجتماعي من أجل تخفيف قيودها وإجراءاتها العقابية من حذف وخلافه، في موازاة المحاولات الالتفافية على هذه القيود كي لا تبقى السردية الإسرائيلية تغرد وحيدة بكل مزاعمها.
ولعل حادثة قتل الطفل الأميركي ذي الجذور الفلسطينية وديع الغيوم بـ26 طعنة، وإصابة والدته بعشرات الطعنات في شيكاغو الأميركية تشكل الدليل الأبرز على مدى عمق وتأثير السردية الإسرائيلية لدى الرأي العام في أميركا والغرب.