يوم أن بلغت الحرب المدمرة في السودان شهرها السادس انتبه السودانيون إلى حصاد قاس وكارثي من الدماء والموت والدمار والتشرد والنزوح وعادوا إلى أسئلة البداية بصيغة جديدة: ماذا استفدنا من الحرب؟ وماذا سنستفيد؟ ومتى ستنتهي؟ وأي نصر سيتحقق حينها؟ وكذلك: من أطلق رصاصتها الأولى؟ ولماذا؟ والمفارقة أن أسئلتهم الجديدة- القديمة تصطدم بأجوبة البداية ذاتها ورواية كل طرف من أطرافها أن هذه الحرب فرضت عليه ولم يخترها، وتوجيه أصابع الاتهام إلى طرف ثالث، يصرح أنصار "قوات الدعم السريع" بأنهم قادة النظام السابق، ويلمح الجيش إلى مصالح أحزاب سياسية ومطامع خارجية.
بعد أن تخطت الحرب شهرها السادس ودخلت في نصف العام الجديد لا يزال أطرافها ومؤيدوهم يؤكدون كل صباح أن حسمها عبر الآلة العسكرية ممكن وقريب، في تعامٍ متعمد لواقع الحال الذي يكشف صراحة أن تقديرات دفع البلاد نحو الحرب كانت خاطئة بالكامل ما يجعل الخوف أشد من استمرارها في الأيام المقبلة لدى الجميع بعد انهيار الثقة في قادتها.
تصريحات القادة العسكريين من الجيش وتلميحاتهم حتى قبل اندلاع القتال تؤكد أن المعركة مع "قوات الدعم السريع" سهلة، معتمدين في هذه الثقة على كون أنهم جزء من مفاصلها، ضباطهم في القيادة وفي التدريب وفي الاستخبارات بجانب التفوق النوعي للجيش عبر سلاح الطيران وسلاح المدرعات. وفي اللحظات الأولى للحرب لم يشك قطاع عريض من الشعب السوداني في حتمية انتصار الجيش إن لم يكن في ساعات ففي أسابيع قليلة.
أما الطرف الثاني (الدعم السريع) فلم يفارق هذه الفرضية كثيرا ووعد بإنهاء الحرب والقبض على القائد العام للجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وتقديمه للمحكمة خلال أسابيع قليلة، وبعدها سينتهي كل شيء معتمدا على اختراق استخباراتي ومعلوماتي كبير لوحدات الجيش وما تتوفر لقائد "الدعم السريع" الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" من معلومات بحكم أنه كان نائبا لرئيس مجلس السيادة وعضوا في القيادة العليا للدولة وإمكاناته الاقتصادية وعلاقاته الخارجية الواسعة وخاصة جوار السودان الغربي والنظرة القديمة من قبلهم للجيش بأنه ضعيف بجانب القوات البرية والمقاتلين على الأرض لجهة أن قوات "الدعم السريع" هي أساس المعارك البرية في مناطق السودان المختلفة منذ وقت طويل في عهد المخلوع عمر البشير.
ومن قبل، وفي لقاء جماهيري شهير، أشار قائد "الدعم السريع" إلى أن الحكومة "بلا جيش" وكثيرا ما لمّح مؤخرا بأن الجيش وقائده البرهان ليسا بخير وطالبهما بإتقان عملهما كعسكريين. وقال بلغة العسكريين "دايرين قائد كارب قاشه" والتي تقرأ بأن البرهان ليس عسكريا حازما إلى جانب تفوقهم العددي وانتشارهم في مواقع حساسة في العاصمة وخارجها ولا توجد حاجة إلى التذكير بأن القتال لا زال قائما في العاصمة الخرطوم ومناطق واسعة من السودان.
وقد قتل نحو 10 آلاف شخص وبلغ عدد المشردين حوالي 6 ملايين، والخسائر المادية تقدر بأكثر من 60 مليار دولار، بالإضافة إلى الانهيار في النظام الصحي، و70 في المئة من المرافق الصحية خارج الخدمة، وتدمير البنية الصناعية بنسبة 80 في المئة، وجميع أطفال السودان خارج النظام التعليمي وفي ظروف صحية متدنية، وتوقف كامل للجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وتمدد رقعة الحرب كل صباح ويتمدد معها عدم الأمان والانتهاكات واغتصاب الفتيات والنساء، حيث بلغ عدد المبلغ عنهن أكثر من 170 حالة، وقتل إثني وجهوي حاد ينبئ بانفجارات كبيرة الآن وفي المستقبل. أما عن معلومات السيطرة على الأرض وعدد قتلى المتحاربين فهذه إما مشكوك فيها وإما متحفظ عليها، ولكن ما يقوله الواقع أن أضرار المدنيين بعد 6 أشهر من المعارك تفوق أضرار الأطراف المتحاربة الآن وفي المستقبل.