لندن - أصعب الصراعات تلك التي تمتد في الزمن وتنبت لها أجنحة تحلق بها في سماء الخرافات والأساطير وتتحول إلى عناصر مؤسسة للوعي السياسي في المجتمعات والدول المتحاربة. ومن الصراعات شديدة التعقيد هذه، يحتل النزاع العربي- الإسرائيلي، مكانه في الصفوف الأولى. حتى ليبدو أن المنطقة قد وقعت في حلقة مفرغة من «العود الأبدي» بحيث لا تكاد الأمور تصل إلى نقطة من التوازن والاستقرار حتى ترجع إلى نقطة الانطلاق، على ما تدل الحرب في غزة.
وضع مئة سنة من الحروب على منصة التشريح والنظر العقلاني، ليس بالأمر السهل. وطرح سؤال عن إمكانية انتهاء العداء ليس أمرا سلسا. تطورات كثيرة حصلت في المنطقة وفي إسرائيل وكل بلد عربي في العقود الأخيرة، يفرض جرأة في طرح هذا السؤال: هل ينتهي العداء المتبادل، العربي لإسرائيل، والإسرائيلي للعرب؟
كمية المواقف المسبقة والاتهامات الجاهزة لكل من يقترب من الشك، من زاوية تنبذ الانتماء المسبق إلى جماعته الأهلية والأصلية، قد تردع محاولات البحث الجاد عن الخروج من المأزق الذي يشكله العداء المتبادل بين العرب والإسرائيليين، والتفكير في الفرص التي أضاعها على المنطقة، ليس من ناحية الازدهار الاقتصادي المفقود فحسب، بل أيضا وربما خصوصا بتقييدها بأنماط من السياسة والثقافة لا زالت حتى اليوم تجذب العرب إلى الماضي والوراء والتخلف. واندلعت الجولة الأخيرة من القتال في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 لتؤكد أن المفاجأة و»توقع غير المتوقع» يجب أن يكونا عنصرا حاضرا في كل مقاربة للوضع في الشرق الأوسط.
هناك من يطرح بعض النقاط التي ينبغي التقدم صوبها لوضع حد للعداء المستفحل والمتبادل بين العرب والإسرائيليين، وهي، بطبيعة الحال، ليست بالترتيب حسب الأهمية:
- الخروج من الأسطورة: في الصراعات المديدة، عادة ما تُنبش كل الخرافات والروايات بغض النظر عن درجة تطابقها مع الواقع والتاريخ، لتُحشد في ساحة القتال. ثمة عدد لا يُحصى من الروايات المتداولة عن مدى الشر الذي يتسم العدو به. بداهة إسقاط الطابع البشري عن الخصم لا مفر منه كمقدمة لتبرير رفض كل ما يأتي به وصولا إلى رفض وجوده المادي وإلغائه وتدميره.