الشرق الأوسط بين خيارين
يجب أن لا يكون المحرك لتسوية سياسية للقضية الفلسطينية هم الظلاميون
الشرق الأوسط بين خيارين
قبل أسابيع فقط، ظهرت علامة فارقة في الشرق الأوسط، في الاعتراف بدور الدولة الأكثر نفوذا في العالم العربي. رسمت الأجندة السعودية الطموحة للإصلاح الداخلي، والتواصل الدبلوماسي مع كل من إيران وإسرائيل، والوعد باستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2034، صورة واعدة للمستقبل.
بدت الآفاق مشرقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الطريق التجاري الهندي المقترح الذي يمر عبر المملكة العربية السعودية ودول الإقليم وإلى حيفا يحمل القدرة على إعادة ربط المحيط الهندي بالبحر المتوسط، مما يمثل تطورا تاريخيا بعد ما يقرب من قرن من الزمان.
خلال هذا الوقت، كانت الصراعات تبدو وكأنها في تراجع، وأن العولمة في حالة ازدهار. وفي المقابلات الأخيرة، مع شبكة "فوكس نيوز" وغيرها من وسائل الإعلام، أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن الشرق الأوسط سيكون أوروبا الجديدة، وأن هذا القرن هو قرن المملكة العربية السعودية.
لكن في يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول، كان هجوم "حماس" على إسرائيل، الذي جاء توقيته عمدا ليتزامن مع الذكرى السنوية لحرب أكتوبر عام 1973، غير مسبوق. لم يحدث من قبل أن قُتل أو جرح أو أُسر مثل هذا العدد الكبير من الإسرائيليين، بما في ذلك الجنود والمدنيون، داخل حدود البلاد المعترف بها دوليا على يد جماعة مسلحة منظمة... كان صراع عام 1947 يهدف إلى إقامة دولة إسرائيل، في حين أن حرب عام 1967 انتهت بمجرد أن بدأت، وكانت في المقام الأول في سيناء. وكانت حرب 1973 عبارة عن صراع بين دولة ودولة تركز على الأراضي المصرية والسورية المحتلة. وتركزت أعمال العنف خلال الانتفاضة الأولى والثانية في الغالب في الضفة الغربية وغزة، مع وقوع هجمات كبيرة داخل إسرائيل، تم تنفيذها في المقام الأول عن بُعد أو من قبل أفراد أو مجموعات صغيرة. لقد حاول كل من "حزب الله"، و"حماس" مهاجمة إسرائيل بالصواريخ، أو التسلل، أو احتجاز الرهائن في السنوات الخمس عشرة الماضية، ولكن، مثل "فتح" من قبلهما، كافحا لتحقيق نتائج مهمة- حتى الآن.
من المرجح أن يستمر الصراع الحالي وبوحشية، وربما يمتد لأسابيع وحتى أشهر. بدأ الأمر بمستوى من القسوة المتعمدة والعلنية، التي بثتها وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة في العادة بجماعات مثل داعش وليس "حماس"
ومن المرجح أن يستمر الصراع الحالي وبوحشية، وربما يمتد لأسابيع وحتى أشهر. بدأ الأمر بمستوى من القسوة المتعمدة والعلنية، التي بثتها وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة في العادة بجماعات مثل داعش وليس "حماس". وكان من المرجح أن تسعى إسرائيل إلى الانتقام الشديد، و"حماس" تدرك هذه الحقيقة. ومع ذلك، يبدو أنهم يهدفون، ربما، إلى استخدام العنف، كما فعلوا في 1994/1996، لإضعاف "فتح"، وكسب تعاطف ودعم أوسع في العالمين العربي والإسلامي، من خلال التركيز على المسجد الأقصى وتأجيج الانقسامات السياسية الداخلية في إسرائيل وإحباط أي محاولة لمزيد من المناقشات حول التطبيع العربي. ولكنهم بقيامهم بذلك، إنما يخدمون مصالح إيران وليس مصالح الفلسطينيين.
داخل إسرائيل، يقارن البعض ما يحدث اليوم بما حدث قبل خمسين عاما حين فشلت مؤسسة الأمن القومي في تفسير الإشارات الواضحة، بما في ذلك التحذيرات الصريحة، لحرب وشيكة بشكل صحيح. ويشير هذا إلى الحاجة لإعادة تقييم الافتراضات التي يعتنقها كثيرون بشأن "حماس"، وربما "حزب الله"، وبالتأكيد إيران، وربما المنطقة برمتها.
محور عملية إعادة التقييم هذه هي المملكة العربية السعودية، التي باتت منذ عام 2015 ترمز إلى ما أشار إليه الرئيس الإسرائيلي الأسبق شيمعون بيريس ذات مرة بـ"الشرق الأوسط الجديد". وقد تميزت هذه الفترة بالإثارة والمخاوف. وفي ضوء أعمال العنف المستمرة، يبرز السؤال التالي: هل هذا التصور قوة تحويلية حقيقية في المنطقة، أم إنه وهم يتبناه صناع سياسات غربيون ساذجون؟
للإجابة على هذا السؤال، يتعين على المرء أن يأخذ في الاعتبار السياق التاريخي، الذي غالبا ما يتجاهله صناع السياسات بسبب ضيق الوقت، وهو السياق الذي قد لا يتعمق فيه علماء السياسة دائما. إن فهمنا المتطور يشكل أهمية بالغة لأنه يعكس ميلا نابعا من التحول الاستثنائي الذي شهدته المملكة العربية السعودية، لإعطاء الأولوية للحاضر على الماضي.
تاريخيا، كانت المملكة العربية السعودية مرادفا للمحافظة الدينية. هذه الهوية تنبع من تاريخها الفريد. يعود تاريخ الدولة السعودية إلى حوالي 300 عام. ومقارنة بالتاريخ القديم لإيران أو العراق أو مصر، يميز السعودية أنها لم تخضع قط للحكم الاستعماري أو الإمبراطوري. وفي حين ادعى العثمانيون السلطة عليها اسميا، إلا أن هذا كان تأكيدا يستند إلى الخيال أكثر من الواقع. والحقيقة أن تركيز العثمانيين كان على الساحل العربي بدلا من المناطق الداخلية.
وقد برزت أسرة آل سعود في قلب شبه الجزيرة العربية في منتصف القرن الثامن عشر. وواجهوا انتكاسات مؤقتة، حيث فقدوا الدولة مرتين؛ أولا بسبب التحدي المباشر للسلطة العثمانية في أوائل القرن التاسع عشر، ومرة أخرى بسبب الصراعات الداخلية بعد حوالي 50 عاما.
وتأسست الدولة السعودية الثالثة عام 1902، عندما استعاد الأمير عبد العزيز الرياض من منافسيه في غارة جريئة. كان طموحه توحيد شبه الجزيرة العربية بأكملها تحت حكمه، والذي تضمن المدن المقدسة في مكة والمدينة، وجدة والطائف، والتقدم عبر الأحساء إلى الخليج، وإضعاف منافسيه الرئيسين بشكل دائم (آل الرشيد). وربما كان يرغب في دمج ما كان يعرف بمناطق النفوذ البريطانية، ورفض عرض الخلافة، ووقع معاهدات رسمية، عبر لندن، لترسيم الحدود الإقليمية مع الأردن والعراق.
وكان عبد العزيز على استعداد لطلب التعاون الغربي عندما كان في ذلك خدمة لمصالحه، وعلى مدى قرن تقريبا، كان هذا الدعم حيويا للأمن القومي للمملكة في منطقة مضطربة. وعندما انسحبت القوات العسكرية البريطانية من مواقعها "شرق السويس" عام 1971، أصبحت الولايات المتحدة، افتراضيا، جهة التوازن البحرية الرئيسة في الخليج، سواء كان ذلك للأفضل أم للأسوأ. وكان هذا التحول بمثابة نقطة تحول مهمة في المشهد الجيوسياسي للمنطقة.
كما تميز عصر الهيمنة البريطانية بظهور نظام سياسي جديد في المملكة العربية السعودية، فإن اللحظة الحالية تتميز بما بدا للكثيرين ثورة اقتصادية واجتماعية وسياسية ملحوظة... التغيير الآن مدفوع بشخص مميز آخر، هذه المرة هو الأمير محمد بن سلمان
والآن ربما تكون تلك اللحظة قد اقتربت من نهايتها. وكما تميز عصر الهيمنة البريطانية بظهور نظام سياسي جديد في المملكة العربية السعودية، فإن اللحظة الحالية تتميز بما بدا للكثيرين ثورة اقتصادية واجتماعية وسياسية ملحوظة... التغيير الآن مدفوع بشخص مميز آخر، هذه المرة هو الأمير محمد بن سلمان.
وعلى نحو فعال، فإن ما يسعى الأمير محمد بن سلمان إلى القيام به هو إنشاء نسخة من امتداد للدولة السعودية. كانت المملكة العربية السعودية التي عرفها العالم طوال القرن العشرين دولة إقليمية محافظة للغاية، ولكنها برغماتية ضمن نظام إقليمي. وكانت شرعية حاكمها تعتمد على الركائز الثلاث: الأسرة، والقبائل، وعلماء الدين. عندما صعد الأمير فيصل إلى العرش كملك، قام بتوزيع مسؤوليات الدولة الرئيسة بين إخوته. أدمجت القبائل ومنحت من الموارد الحكومية. وقد أكد "العلماء" على شرعية للحكم وفق المذهب الحنبلي، مع الاحتفاظ بالحق في فرض معايير اجتماعية وسياسية صارمة.
لكن الدولة التي يصنعها الأمير محمد بن سلمان مختلفة جذريا، فلم تعد السلطة مشتتة؛ بل غدت الآن مركزية. وقد تضاءل تأثير القبائل، وأصبحت الديموغرافيا لها الأسبقية على الانتماءات القبلية. لقد أصبحت المملكة العربية السعودية شديدة التحضر، ويبلغ متوسط عمر سكانها 31 عاما، وهو معدل مرتفع نسبيا بالنسبة للمنطقة، ولكنه لا يزال أكثر شبابا من كثير من دول العالم. وفي حين أن هذه الصورة الديموغرافية سوف تتطور، كما يتضح من انخفاض معدل الخصوبة الإجمالي، فإنها في الوقت الحاضر لحظة يحددها الشباب. والدافع وراء هذه الحاجة الملحة لدى النخبة السعودية الجديدة ينبع من الشعور بأن عالما بلا كربون يسرع نحوهم.
لقد تنبأ الناس بالوصول لذروة إنتاج النفط منذ عقود، وتشير التوقعات إلى أن هذه اللحظة باتت وشيكة الآن. ويشير التحول السريع إلى الاعتماد على التكنولوجيا الخضراء والمركبات الكهربائية والأشكال الجديدة لتوليد الطاقة النظيفة، إضافة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، إلى أنه وعلى الرغم من استمرار اعتبار النفط والغاز مكونين هامين في مزيج الطاقة العالمي، إلا أن التخطيط لمستقبل لا يكونان فيه المصدر الوحيد أو الأكثر أهمية لازدهار البلاد بات ضروريا. وهذا المستقبل لا يمكن تحقيقه فقط من خلال التحالفات الأمنية مع الولايات المتحدة أو أي قوة غربية أخرى؛ ففي الستينات، برزت كوريا واليابان على الساحة لتطالبا بمكانتهما في العالم، واليوم حان دور المملكة العربية السعودية، والهند والصين؛ اللتين تشكل مواجهتهما المباشرة لهيمنة الولايات المتحدة على العالم التحدي الأهم على الإطلاق. كما أن الثورة الداخلية في المملكة تتطلب أيضا ثورة في علاقاتها الخارجية لتعكس هذه التغيرات.
من المؤكد أن المملكة العربية السعودية قامت بتحول سريع في هياكلها وأعرافها الاجتماعية المحلية. وتشير استطلاعات الرأي في جميع أنحاء البلاد إلى أن رغبات الشباب على وجه الخصوص– الذين يشكلون الأغلبية الديموغرافية في البلاد– تتمثل في البحث عن الأمان وفرص العمل وتقديم الخدمات
ومن المؤكد أن المملكة العربية السعودية قامت بتحول سريع في هياكلها وأعرافها الاجتماعية المحلية. وتشير استطلاعات الرأي في جميع أنحاء البلاد إلى أن رغبات الشباب على وجه الخصوص– الذين يشكلون الأغلبية الديموغرافية في البلاد– تتمثل في البحث عن الأمان وفرص العمل وتقديم الخدمات، والرغبة في الانتماء إلى بلد يشعرون فيه بأنهم جزء لا يتجزأ منه، وهذه الرغبات تأتي أولا، قبل السعي وراء العدالة العالمية أو إقامة دولة فلسطينية. إلا أن الصراع في إسرائيل وغزة يشير إلى أن هذه ليست الصورة الكاملة؛ فعندما يمتلك التاريخ قوة رمزية، فإن الماضي عادة ما يشكل عائقا في طريق الحاضر.
ومما لا شك فيه أن القضية الفلسطينية فقدت الكثير من الأهمية التي كانت تتمتع بها في السابق بين النخب، التي بات لديها أولويات سياسية أخرى أكثر إلحاحا. ومع ذلك، فإنها لا تزال تتمتع بالقدرة على إثارة العواطف وتعبئة الرأي العام، خاصة في اللحظات التي تنتشر فيها الصور التي شاهدناها خلال الأيام الماضية على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وحين يُستحضر الإسلام بدلا من القومية العلمانية. ولهذا السبب، فإنها لا تزال تشكل سلاحا قويا في أيدي إيران وأصدقائها، الذين يرغبون في رؤية "حماس" تحل محل حركة "فتح" وتتحد مع "حزب الله"، ليس لترهيب إسرائيل أو تشتيت انتباهها أو إلحاق الضرر بها فحسب، بل أيضا لمنع أمور أخرى– مثل المزيد من التطبيع العربي مع إسرائيل، وتعزيز الموقف الأميركي في المنطقة، أو حتى تحويل المملكة العربية السعودية إلى قوة اقتصادية وقوة إقليمية مهيمنة– وهي أمور تتعارض مع مصالحهم.
ويضع الصراع الحالي في إسرائيل وغزة من يفكر بالمستقبل وشركاءه في موقف صعب؛ فهم يسعون إلى إحراز تقدم في أجنداتهم الاقتصادية والاجتماعية المحلية. وبالرغم من الضجة المحيطة برؤية 2030، فإنها لم تتحقق بشكل كامل بعد. وعلى الرغم من إمكانية تحقيقهم الكثير من المكاسب الاجتماعية الكبيرة، إلا أن هناك الكثير من التحديات الاقتصادية والمالية الكبرى بانتظارهم. إن التقدم المستدام يتطلب الاستقرار الإقليمي، على الأقل ذلك النوع الذي يمكن للمملكة من خلاله عزل الإصلاحات المحلية عن الاضطرابات الخارجية. وما تحاول "حماس"، و"حزب الله"، وإيران قوله هو أن بإمكانهم تعطيل هذا الترتيب متى رغبوا في ذلك.
وعلى الرغم من أن إيران والمملكة العربية السعودية وقعتا اتفاقا في وقت سابق من هذا العام يقضي بشكل أساسي بتخفيف التوترات بينهما، فإن إيران تواصل استهداف القوات الأميركية وترهيب الأكراد في العراق وسوريا، والحفاظ على موقعها في اليمن ولبنان. كما أنها تواصل تخصيب اليورانيوم وتطوير تقنيات الصواريخ والطائرات دون طيار. وإضافة إلى ذلك، فهي تدلي بتصريحات عدائية حول البحرين وتتحدث عن السيطرة على الممرات المائية في الخليج، والحدود البحرية شمال الخليج وحقول النفط والغاز البحرية المرتبطة بها. والآن دفعت حماس لبدء الحرب الأخيرة بينها وبين إسرائيل... يبدو أن هذا المشهد يشبه الشرق الأوسط القديم أكثر من الشرق الأوسط الجديد.
هناك شرقان أوسطان يتصارعان ويتنافسان: الأول، هو الشرق الأوسط القديم الذي يتميز بالصراع المتجذر، والآيديولوجيات الرجعية، والصراع من أجل الهيمنة الإقليمية والكراهية لإسرائيل والولايات المتحدة. والثاني، هو الشرق الأوسط الجديد حيث تكون الحداثة، والترابط، والتجارة، والازدهار المشترك والأمن هي الأولوية
ربما يكون هذا بيت القصيد. فلربما يكون هناك شرقان أوسطان يتصارعان ويتنافسان: الأول، هو الشرق الأوسط القديم الذي يتميز بالصراع المتجذر، والآيديولوجيات الرجعية، والصراع من أجل الهيمنة الإقليمية، والكراهية لإسرائيل والولايات المتحدة. والثاني، هو الشرق الأوسط الجديد حيث تكون الحداثة، والترابط، والتجارة، والازدهار المشترك والأمن هي الأولوية.
بالنسبة لصانعي السياسات الغربيين، فإن النسخة الثانية من الشرق الأوسط أسرت ألبابهم؛ فهي ليست وهما، بل إنها موجودة وتعكس تطلعات الملايين من الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة. ولكن النسخة الأولى لا تزال تمتلك قوة خبيثة خاصة بها؛ فالنضال في القصور الزجاجية التي تعيش فيها "حماس" وأنصارها مستمر، وسيبقى مستمرا دائما، لأنه بيت القصيد.
إلا أن النضال لن ينتج انتصارا، ولن ينتج دولة فلسطينية، والحقيقة أنه سوف يحبط أي أمل في التوصل إلى حل تفاوضي، كما فعلت الانتفاضة الثانية. إلا أنه سيمكّن "حماس" من ارتداء عباءة البطولة الثورية الرائدة، وسوف يرضي الأوهام الانتقامية للمنظرين النقديين الغربيين والباحثين في مرحلة ما بعد الاستعمار الجالسين في مكاتبهم الجامعية المريحة. ولن يؤدي هذا النضال إلى موت مئات الإسرائيليين فقط، بل إلى موت ألوف الفلسطينيين وربما اللبنانيين أيضا. ولكنه حتما سيوفر على "حماس"- وإيران- عناء التعامل مع ضرورة التوصل إلى تسوية، ويمنح إيران سلاحا آيديولوجيا آخر لاستخدامه ضد تطلعات الحرية لشعبها الذي عانى طويلا.
ومن المحتمل أن يعني ذلك أيضا تعليق التطبيع العربي مع إسرائيل، على الأقل في الوقت الحالي. ولن ترغب الرياض في المشاركة المباشرة؛ فهي لا تحب "حماس"، ولكن الوساطة العربية ستكون ضرورية في مرحلة ما. وهذا يعني أن مصر والمملكة الأردنية ستصبحان مرة أخرى لاعبتين مؤثرتين، وستسعيان إلى استغلال هذه الوساطة للحصول على المزيد من الدعم الاقتصادي من دول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي سيعيق الحاجة الملحة لإجراء إصلاحات هيكلية ويفرض تكاليف جديدة على الميزانيات الوطنية الملتزمة إلى حد كبير.
هدف "حماس"، كهدف إيران، يتلخص في تدمير الأمل في التوصل إلى حلول سياسية أو تقدم اقتصادي، وبيع أوهام مدمرة بدلا من ذلك
في لندن وعواصم غربية أخرى، ستجعل هذه الأزمة الاحتمالات المتعلقة بإنشاء طرق تجارية جديدة من المحيط الهندي إلى البحر الأبيض المتوسط، أو احتمالات الانتعاش الاقتصادي العام الذي يغذّيه انتهاء العداء وتفكيك الحدود والحواجز التجارية الأخرى، تبدو مرة أخرى كالحلم. إن هدف "حماس"، كهدف إيران، يتلخص في تدمير الأمل في التوصل إلى حلول سياسية أو تقدم اقتصادي، وبيع أوهام مدمرة بدلا من ذلك.
سيجعل كل ما سبق السعي نحو التغيير الاقتصادي والاجتماعي التقدمي في السعودية والخليج أمرا أكثر تحديا، ولكنه لن يوقفه؛ فالحاجة كبيرة جدا والزخم قوي. ومع ذلك، ما يظهره كل ذلك هو أنه في النهاية لا يمكن الهروب من السياسة.
وإذا كان أحد شروط الاستقرار والازدهار هو التوصل إلى تسوية سياسية للقضية الفلسطينية، فإن من مصلحتنا جميعا أن لا يكون المحرك لهذه التسوية هم الإسلاميون الظلاميون والعنيفون في طهران وغزة وبيروت، وإنما دول مثل المملكة العربية السعودية.