عاصفة الديون العالمية تطرق الأبوابhttps://www.majalla.com/node/302126/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D9%88%D8%A7%D8%A8
الديون وإعادة هيكلتها للدول وبرامج الإصلاح هي "اللعبة المفضلة" لصندوق النقد الدولي، واختصاصه التاريخي بالتعاون مع مجموعة البنك الدولي والمؤسسسات والدول المانحة، لكن أزمة المديونية التي تتخبط فيها الكثير من البلدان النامية، تكاد تدمر ما تبقى من سمعة هاتين المؤسستين المنوط بهما ايجاد الحلول والمخارج قبل فوات الأوان.
تعاظمت في السنوات الأخيرة معضلة المديونية العالمية التي صارت تهدد نحو نصف سكان الكوكب، وتضعهم أمام خيارات مريرة بين سداد المستحقات أو الجوع، أو بين التعثر والنقص الفادح في خدمات الصحة والتعليم والبنى التحتية وحاجات الأطفال. صارت الديون وخدمتها، ما بعد جائحة كوفيد-19 وارتفاع الفوائد الى مستويات مقلقة في الحرب الروسية الاوكرانية، تشكل خطرا ليس على هذه الدول المدينة فحسب، بل كذلك على استقرار النظام المالي العالمي.
على الرغم من الجهود التي بذلها خبراء الصندوق ومديرته لاشاعة أجواء التفاؤل ما أمكن في قاعات باب إغلي في مراكش، ولا سيما بعد حرب غزة، والترويج للاتفاق مع زامبيا كنموذج يحتذى، تشير تقارير الصندوق والبنك ومؤشراتهما إلى أن العالم مقبل على عاصفة ديون، ولا سيما في أفريقيا والشرق الأوسط، مما يتطلب تحركا و"حلولا مبتكرة" كما قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان لتفادي انعكاساتها الخطيرة. لكن الحلول الاقتصادية والمالية التقنية والمنطقية لطالما اصطدمت بأزمات سياسية معقدة، تفرض شروطها، وحكومات غير مسؤولة، وسياسيين جهلة أو فاسدين، أو الاثنين معا.
مصر والأردن وتونس... ولبنان المتعثر
لا شك في أن الظروف السياسية والأمنية، وحظوظ بعض الدول، تحول في كثير من الأحيان دون نجاعة أي من الاستراتيجيات المنطقية المطروحة، ولا سيما على وقع الحروب والصراعات، وفي ظل نقص حاد في مصادر التمويل المتاحة.
تواصل الديون تصاعدها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبلغت مستويات مرتفعة للغاية في دول عدة، وتواجه مصر والأردن وتونس أوضاعا محفوفة بالأخطار
ورد في العدد الأخير لخريف 2023 لمجلة "التمويل والتنمية" الفصلية التي يصدرها الصندوق، أن "الديون تواصل تصاعدها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبلغت مستويات مرتفعة للغاية في دول عدة. وتواجه مصر والأردن وتونس أوضاعا محفوفة بالأخطار حيث يتأرجح استقرارها الاقتصادي بينما تعاني الكثير في مواجهة أزمة ديون محتملة. أما لبنان، الذي يصارع واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ، فقد أصبح قصة ذات عبرة. وسلَّط تعثره في سداد ديونه أضواء قوية على التحديات الجسيمة المرتبطة بالديون في هذه الدول وتداعياتها الأوسع نطاقا". ويعدّ لبنان إحدى الدول المهددة بالإفلاس الكامل، إلى جانب 24 دولة أفريقية بسبب الارتفاع الكبير لنسبة المديونية.
وصنّف الصندوق 15 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2023 بحسب حجم المديونية المستحقة لمصارف داخلية أو مؤسسات مالية خارجية، ليحل لبنان في المقدمة بأكثر من 150 في المئة من الناتج المحلي، تليه البحرين ومصر وتونس بمديونية تفوق 100 في المئة من الناتج المحلي، ثم المجموعة الثانية التي تضم الأردن واليمن والمغرب والجزائر بمديونية فوق 60 في المئة، والمجموعة الثالثة المتمثلة في العراق وعمان بمديونية فوق 40 في المئة.
تضم اللائحة كذلك إيران وقطر والإمارات والسعودية والكويت بنسب مديونية منخفضة وأوضاع مالية أفضل، وهي دول نفطية لها موارد مالية وادخارات كبيرة، وفقا للتصنيف.
ويتفق معظم من شارك في مراكش، من خبراء ومتابعين، أن كل الأرقام والمؤشرات التي عرضت عن منطقة الشرق الاوسط أقله، مرشحة للمراجعة سلبا خلال الاجتماعات نصف السنوية في الربيع المقبل، في ضوء ما ستسفر عنه حرب غزة من نتائج سلبية على اقتصاد المنطقة والعالم.
وأكد مدير منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق جهاد أزعور "أن الأحداث المؤسفة والمؤلمة في المنطقة... قد تؤثر في فرضية التوقعات الاقتصادية المقدمة في الاجتماعات السنوية، وقد تدفع الصندوق إلى مراجعة وتحديث الإحصاءات لاحقا".
24 دولة على عتبة الإفلاس
نوقشت في الجلسات معضلة المديونية باعتبارها واحدة من الأزمات التي تمثل محور الاهتمامات الكبرى للمنظومة المالية العالمية، دائنين ومدينين، وحرصت المديرة العامة للصندوق كريستينا جورجيفا على إرضاء الطرفين، وسيبقى وعدها بتقليص المدة الفاصلة بين طلب الدول المتعثرة الحصول على تمويل وموعد التوصل الى الاتفاق في مدة ثلاثة أشهر محط امتحان، مثل تعهدها باعتماد الشفافية القصوى في نشر البيانات الخاصة ببنود أي اتفاق بين الصندوق والدول المعنية.
وفي تقديرات منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الاونكتاد"، أن 3,3 مليارات إنسان يعيشون في دول تنفق على سداد الديون أكثر مما تنفق على الصحة والتعليم.
وبحسب خبراء شاركوا في اجتماعات مراكش، فإن لأزمة المديونية الحالية خصوصية تذكّر بسابقاتها، تحديدا أزمة الثمانينات التي بدأت بإعلان المكسيك عام 1982 عجزها عن سداد ديونها، ثم انتشرت الأزمة بما يشبه الجائحة لتشمل عددا كبيرا من الدول النامية في حينه.
حاليا، ووفق تقرير لصندوق النقد، فإن 40 في المئة من الدول المنخفضة الدخل، أي 24 دولة من أصل 60، بلغت مرحلة المديونية الحرجة بما قد يضعها على عتبة الإفلاس. وتواجه ربع الدول الناشئة أخطار الدخول في دوامة أزمات ديون يصعب الخروج منها، فيما تتخبط الدول النامية في مفاوضات عسيرة لإعادة جدولة ديونها، الموزعة بين دائنين متعددين ومتباينين في الرأي والنظرة إلى الحلول، وفي مقدمها الصين المتهمة بنصب "فخ الديون" لدول عديدة ولا سيما في أفريقيا.
مسؤول كبير في وزارة المالية الإسرائيلية لرويترز:
- سيكون هناك ارتفاع في الإنفاق الحكومي بسبب الحرب وعجز الميزانية سيرتفع
- نخوض الحرب في ظل اقتصاد بحالة جيدة وانخفاض نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي والبطالة
وقد يكون موضوع الصين وراء تسليط الضوء على تجربة زامبيا في لقاءات مراكش، وكان وزير المالية والتخطيط الزامبي سيتومبيكو موسوكوتواني ضيفا مكرما ضمن المشاركين في جلسة حوارية عنوانها "أولويات الاصلاح من أجل معالجة الديون"، الى جانب الوزير الجدعان وجورجيفا ورئيس البنك الدولي أجاي بانغا.
زامبيا تجربة ورسائل
زامبيا هي الدولة الوحيدة التي افادت من المبادرة التي أطلقت خلال قمة مجموعة العشرين في الرياض عام 2020، وأعلن خلالها الاتفاق على إطار لإعادة هيكلة ديون الدول الفقيرة، في توجه لجمع الصين مع الدول الدائنة الأخرى، وجلها دول غربية لها عضوية في نادي باريس، الى طاولة المفاوضات.
للتذكير، كانت زامبيا قد أعلنت إفلاسها عام 2021 وافادت من مبادرة "الاطار المشترك" للمديونية، وتوصلت في شهر يونيو/حزيران المنصرم الى اتفاق وصف بالتاريخي مع نادي باريس لاعادة هيكلة ديونها.
وعلى الرغم من إقراره بالحرج والخجل لوقوع زامبيا في أتون الديون وفوائدها، بسبب سياسات خاطئة سابقة، كان في كلمات الوزير موسوكوتواني رسائل جلية، منها قوله: "شكرا جزيلا على تقديم الإعانات وتخفيف معاناة الديون في زامبيا، ولكن هذا ليس كافيا في حد ذاته لتوفير جودة الحياة التي يحتاجها الأطفال الأفارقة، هم يمكنهم ان يشاهدوا في التلفاز الأطفال في أوروبا وأميركا، وهم يريدون حياة مشابهة، وإعادة هيكلة الديون ليست كافية لتحقيق ذلك، بل يتم ذلك من طريق تحقيق المزيد من التنمية الاقتصادية، المزيد من الوظائف حتى لا يكون لدينا لاجئون ومهاجرون أفارقة يذهبون الى إيطاليا واليونان أو غيرها، الفرص يجب ان تكون في داخل القارة الأفريقية، وذلك من خلال تهيئة الظروف الملائمة، وهذا ما نفعله في زامبيا، نهيئ الظروف التي تجذب الاستثمارات من القطاع الخاص لتوفير الوظائف".
يثير ثقل أزمة المديونية، مخاوف جدية، بحسب مسؤولين كبار في المؤسستين، إذ تواجه الاقتصادات المنخفضة الدخل والاقتصادات الصاعدة على حد سواء، ومنذ سنوات عدة، أعباء ديون كبيرة تحدّ من قدراتها على الاستثمار في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والبنى التحتية، وصارت دول أخرى عاجزة تماما عن الاستمرار في تحمل فوائد ديونها.
شكرا لتخفيف معاناة الديون في زامبيا، ولكن هذا ليس كافيا لتوفير جودة الحياة التي يحتاجها الأطفال الأفارقة، هم يشاهدوا في التلفاز الأطفال في أوروبا وأميركا، وهم يريدون حياة مشابهة، وإعادة هيكلة الديون ليست كافية لتحقيق ذلك... حتى لا يكون لدينا لاجئون ومهاجرون أفارقة يذهبون الى إيطاليا واليونان
وزير المالية والتخطيط في زامبيا سيتومبيكو موسوكوتواني
في قراءة لنقاشات مراكش طرحت مسائل أساسية ترتبط بأزمة المديونية العالمية، ما أبرز الخلاصات والملاحظات الممكن تسجيلها في هذا الشأن، من دون احتساب تأثيرات حرب غزة على الأسواق العالمية بعد والتي تنذر بالمزيد من السلبيات:
1 - ترى جورجيفا "أننا لسنا على مشارف أزمة ديون"، لكنها تتخوف منها، لأن "الحكومات والشركات والأسر استدانت خلال السنوات الماضية لتحافظ على استمراريتها، وهذا ما أدى الى زيادة الديون في كل مكان، والديون مفيدة لمن هو قادر على السداد، أما المشكلة فهي عند الدول المنخفضة الدخل، هناك نجد ضائقة الديون".
ولفتت الى أنه بالنسبة الى الدول الناشئة (أي المتوسطة الدخل)، هناك ضائقة بنسبة 20 في المئة. المشكلة عند الدول المنخفضة الدخل، حيث تعرضت لثلاث ضربات متتالية: أولا، غرقت في مأزق الديون، ثانيا، تعرضت لارتفاع أسعار الفائدة التي تبتلع جزءا كبيرا من مداخيلها - تكلفة الديون تضاعفت مرات عدة – وثالثا، تأخر الدعم الدولي.
2 - يؤكد رئيس البنك الدولي، أجاي بانغا: "إن دول الصحراء الأفريقية تدفع ثمنا باهظا بسبب تكلفة ارتفاع الفوائد، هي تدفع 7,6 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي لسداد كلفة الديون". لافتا إلى أن القطاع الخاص يعاني، والمصارف تعاني بالنيابة عن الحكومات، مع غياب إمكان تيسير القطاع الخاص. وهذا يؤدي الى تراجع الاستثمار الأجنبي، إذ أن المستثمر الخارجي الذي يراقب المعطيات لا يشعر بالراحة فيحجم عن الاستثمار، وذلك يوحي بتأثير الدومينو.
رئيس البنك الدولي، أجاي بانغا يرى أن الديون لا يجب أن توقف عملية التنمية بل تُيسرها، فهي وسيلة لمساعدة الدول وليس لإعاقتها.. وأن أسعار #الفائدة المنخفضة لوقت طويل خلقت عدم توازن في الاقتصادات#اقتصاد_الشرقpic.twitter.com/1FZqaZKxbY
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) October 12, 2023
3 - يجب رفع مستوى الوعي والمعرفة المالية والاقتصادية لدى السياسيين، "فعندما تخفف دولة دائنة من العبء على دولة متوسطة أو منخفضة الدخل، هي لا تقدم على ذلك من أجل فعل الخير، بل من أجل مصلحتها الخاصة، لأن من مصلحة الاقتصاد العالمي أن يكون في حال صحية جيدة، وألا نترك أياً من الدول وراءنا تتسبب بالمزيد من المشكلات للعالم"، كما قال الوزير الجدعان.
4 - يجب التركيز على الآلية المتعددة الأطراف، وفي مقدمها الصندوق والبنك، في معالجة مديونية الدول النامية، وأهمية دور المصارف والمؤسسات المالية، مع تراجع دور الدين الثنائي الذي كانت تمنحه الدول المتقدمة للدول النامية عموما، وطرحت هنا مسألة خفض هذا الدين على قاعدة أن تتكفل الدول المتقدمة داخل هذه المؤسسات سداده.
5 - ثمة حدود لدور نادي باريس في التعاطي مع أزمة المديونية، فهو لم يعد كالسابق، بعد التراجع الكبير لحصة الدول الأعضاء في مجموع الدين العام العالمي، في مقابل الارتفاع الكبير لحصة الصين في حجم المديونية العالمية. واعتمدت الصين سياسة فرض ضمانات عند إقراضها الدول النامية لتكون على شكل أصول وممتلكات عمومية كالموانئ. وتطلب الصين تفعيل الضمان عند حصول تعثر في سداد الدين مثلما جرى مع زامبيا.
6 - فاقمت أزمةَ المديونية ندرةُ التمويل بفائدة منخفضة وتراجعُ حجم الموارد المالية لدى الصندوق والبنك الدوليين فضلا عن إحجام الدول المنتجة للنفط في المنطقة ذات الوضعية المالية الأكثر استقرارا عن تقديم الدعم المالي غير المشروط الذي كانت تقدمه في الماضي، حيث باتت هذه الدول تصر على صدقية التزام الدول المقترضة الإصلاحات الهيكلية، وتلتزم الواقعية في تقييم الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تواجهها الدول المدينة، وعجزها عن وضع السياسات المالية المناسبة.
7 - لا يخفى أن الدول التي تعاني من الديون، تعاني من مشكلات هيكلية مستدامة نتيجة عدم كفاية الإصلاحات، لا سيما ما يتعلق بالتشريعات وأطر الحوكمة، وخضوع اقتصاداتها لسيطرة الدولة، وتهميش القطاع الخاص في ظل قطاع عام متضخم، وشح في الإيرادات المحلية، وأسعار الصرف الثابتة، وغيرها من المشاكل الطويلة الأمد التي أصبحت أشد وطأة بسبب التقلبات الاقتصادية العالمية والصدمات الأخيرة، أبرزها جائحة كوفيد-19 وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا. وقد تلجأ هذه الدول إلى مفاجآت التضخم لتخفيف أعباء ديونها المحلية.
8 - إشكالية التوصل الى مبادرات جماعية لحل أزمة المديونية، وقدمت تجربة زامبيا للتدليل على ذلك وكمنطلق للتفكير في تنشيط مبادرة "الإطار المشترك" للمديونية. ومن الحلول المطروحة إنهاء قاعدة التطبيق الطوعي السائدة والانتقال إلى شرط الإلزامية.
9 - على الرغم من أن أزمة المديونية الحالية شبيهة بأزمة الثمانينات، إلا أن الحلول ستكون مختلفة، حيث اعتمدت آنذاك سياسات تقشف أدت إلى توترات اجتماعية وثورات وانتهت كلها بالفشل. فمن بين الاقتراحات التي جرى طرحها، توسيع مبادرة مجموعة الـ20، "الإطار المشترك" للمديونية، لتشمل الدول ذات الدخل المتوسط بعدما كانت المبادرة موجهة فقط الى الدول الفقيرة والضعيفة النمو، وكذلك الدعوة إلى تسريع هذه المبادرة، فإلى اليوم لم تستفد منها الا زامبيا.
جدل صيني بين جورجيفا والجدعان
ومع دخول الصين على الخط كإحدى الدول الدائنة العالمية الكبرى، تحولت إعادة هيكلة الديون إلى ورقة سياسية مهمة، وصارت تتعرض لانتقادات، ومنها من الصندوق لعدم التعاون لإنقاذ دول أفريقية سبق وأقرضتها واستثمرت في مرافقها وبنيتها التحتية، في وقت لم تكن الولايات المتحدة مهتمة بالقارة السمراء قبل أن تستفيق أخيرا.
لعل مداخلة الوزير الجدعان التي أكد فيها "أن التوصل إلى اتفاق دولي لتخفيف أعباء الديون عن الدول الفقيرة والمحدودة الدخل، أصبح مطلبا ملحا" أجابت عن التساؤلات التي سادت نقاشات مراكش عن فرص توسيع رقعة الدول المستفيدة من مبادرة "الإطار المشترك" لتشمل الدول المحدودة الدخل وذات الدخل المتوسط.
وكان لافتا في جلسة "أولويات الإصلاح من أجل معالجة الديون"، النقاش الذي دار في ختام الجلسة بين الوزير الجدعان وجورجيفا، التي ختمت مداخلاتها بانتقاد ديبلوماسي للصين، وحمّلتها وزر عدم التعاون قائلة "ما نراه اليوم هو أن الصين تنسحب من حقيقة كونها مصدر التمويل (لدول عدة في أفريقيا)، وتتسبب بالمزيد من الضغوط على دول مثل السعودية والدول المانحة الأخرى"، مشيرة إلى "مشكلة داخلية في الصين التي ألقت على عاتق المؤسسات الصينية مسؤولية أن تعرف لمن أقرضت وكم، واليوم لا أعرف حقيقية الصورة الكاملة، وما نتحدث عنه أبعد من دولة واحدة".
ورد الجدعان عليها قائلا "ان الصين تقدمت في أفريقيا عندما ابتعد الجميع عنها، قامت ببناء بنى تحتية لا يمكن حملها معها الى الصين. غامرت في الاستثمار وجازفت عندما ابتعد الجميع عن الصين، واليوم نطلب منها أن تنضم الينا لتحيل المجازفة الى حقيقة... وبدلا من القاء اللوم عليهم، يجب أن نقدر ما فعلوه، وهم فعلوا مصلحتهم أيضا، ساعدوا الدول الأخرى لكنهم اقدموا على مخاطر عالية جدا، وهم ينظرون الى الحصاد اليوم، يجب أن نعمل معهم وان نحاول جعل إطار العمل المقبل فعالا بدلا من القاء اللوم عليهم يجب أن نظهر للصين ولغيرها حجم الود الكافي تجاههم".
يتفق معظم من شارك في اجتماعات مراكش، من خبراء ومتابعين، أن كل الأرقام والمؤشرات التي عرضت عن منطقة الشرق الاوسط أقله، مرشحة للمراجعة سلبا، في ضوء ما ستسفر عنه حرب غزة من نتائج سلبية على اقتصاد المنطقة والعالم
الإصلاح آت؟
أخيرا، يعتقد صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد العالمي سيتجزأ الى تكتلات على المدى البعيد بظهور قوى صاعدة جديدة. وإذ انطلقت النقاشات حول إصلاح المؤسسات المالية الدولية المانحة، لا سيما صندوق النقد والبنك الدوليان، يؤمل أن تتركز فلسفة هذه النقاشات على كيفية توجيه المؤسستين لتكون لهما فاعلية في مواجهة الأخطار المالية والسياسية والعسكرية التي تهدد النظام المالي العالمي.
وأيدت جورجيفا، هذا التوجه للمرة الأولى مؤكدة ضرورة إدخال اصلاحات ومراجعة سياسات الصندوق، على الرغم من أن كثرا من الخبراء المشاركين في اجتماعات مراكش يعتقدون أن هذا التوجه لن يكون سهلا وأن الصندوق لن يقر أبدا بفشله.
تلك الآمال قد لا تجد سبيلا للتحقق، نظرا الى فشل المبادرات السابقة في هذا الإطار بسبب تعنت الدول الكبرى وسعيها للحفاظ على السلطة في اتخاد القرار، خصوصا في ظل المتغيرات التي فرضها ظهور أقطاب اقتصادية وسياسية جديدة قد تدفع نحو تعديل موازين القوى أو فرض إصلاحات على المؤسسات المانحة، وفي مقدمها الصندوق ومجموعة البنك الدوليان.
بالفعل، بدأ العديد من الدول النامية، في مقدمها دول "بريكس" التي نمت قوتها الاقتصادية بشكل كبير، في التململ والتعبير عن عدم رضاها عما تصفه بافتقارها إلى النفوذ في الصندوق والبنك، داعية إلى إجراء تغييرات على نظام الحصص الذي يتم من خلاله ترجيح الأصوات في صندوق النقد تحديدا بما يتماشى مع المساهمات المالية للدول الأعضاء، الذي تحصل الولايات المتحدة بموجبه على 17 في المئة من الأصوات وتتمتع بحق النقض في وجه أي تغييرات دستورية في الصندوق. وليس مستغربا أن تعارض الولايات المتحدة أي دور تمويلي متصاعد للصين وحتى روسيا داخل هياكل البنك الدولي حيث تملك الصين 6 في المئة من حقوق التصويت في مقابل 15 في المئة للولايات المتحدة.