دفعت الأحداث المروعة والصادمة التي وقعت مؤخرا في قطاع غزة وجنوب إسرائيل المنطقة إلى مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر. والأسوأ أن النتيجة النهائية لهذه الدورة الأخيرة من العنف والخسائر البشرية التي ستتسبب فيها تظل، في هذه الأوقات الغامضة، غير واضحة. ولذلك، عندما يواجه القادة مثل هذه الأزمة الأمنية المتعددة الأوجه، يصبح لزاما عليهم أن يحافظوا على تركيزهم ثابتا على أهدافهم طويلة المدى، لتصور النتائج الدائمة التي يطمحون إلى تحقيقها لشعوبهم.
وعلى غرار الطريقة التي أعادت بها هجمات 11 سبتمبر/أيلول تشكيل العالم، فإن هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والأعمال الانتقامية اللاحقة، سيتركان علامة لا تمحى في التاريخ، وسوف ترسم الحدود ما قبل ذلك الحدث وما بعده. وبينما يتكشف هذا الصراع، ستظل هناك أسئلة عديدة عالقة دون إجابات فورية، ولكن من الأهمية بمكان أن لا نغفل عن الديناميكيات الإقليمية الدائمة والسياق الأكبر. ومن المهم بنفس القدر أن نظل متيقظين للفرص التاريخية المحتملة التي قد تنشأ بمجرد أن ينقشع غبار هذه الأزمة الحالية.
وقد أثارت مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على قناة "فوكس نيوز" الشهر الماضي جدلا جديدا حول احتمالات التوصل إلى صفقة تطبيع محتملة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل؛ فحين سُئل عن علاقة المملكة مع إسرائيل والمحادثات الأخيرة، أجاب: "نقترب أكثر يوما بعد يوم".
وولّدت تعليقات ولي العهد، إلى جانب التقارير المنتظمة عن المحادثات الدبلوماسية السرية والزيادة في الزيارات العلنية، مثل زيارة وزير السياحة الإسرائيلي حايم كاتز للمشاركة في مؤتمر منظمة السياحة العالمية للأمم المتحدة في السعودية، ولّدت جدلا في واشنطن العاصمة وحول العالم، عن مدى السرعة التي يمكن أن تُبرم بها صفقة بين السعودية وإسرائيل والمكونات اللازمة لتحقيق اختراق تاريخي.
وبدأ البعض يثير تساؤلات حول ما إذا كانت حالة العداء التي استمرت لعقود بين إسرائيل وجيرانها قد انتهت بالفعل. وتستند هذه التساؤلات حول حقيقة أن إسرائيل خاضت ثلاثة حروب كبرى ضد جيرانها في الأعوام 1948 و1967 و1973، بالإضافة إلى حروب ونزاعات أخرى خاضتها على مدى 75 عاما منذ تأسيس إسرائيل. ولكن خلال الأربعين عاما الماضية، أدت سلسلة من الاتفاقات بين إسرائيل وجيرانها إلى تغيير تدريجي في البيئة الإقليمية الأوسع، وقلب الموازين نحو السلام وبعيدا عن الحروب التقليدية، وفقا لهذا الرأي. وقد تبدو هذه الرؤية ساذجة بعض الشيء في أعقاب هجمات 7/10 والحرب الدائرة اليوم، ولكن يظل من المهم دراسة هذا النقاش بالتفصيل، لمعرفة ما قد ينتظرنا بعد انتهاء الصراع الحالي.