ويقدّم كل من الكاتب الفلسطيني صقر أبو فخر والسياسي والمحامي اللبناني كريم بقرادوني في هذه السلسلة الوثائقية شهادات عن حسن سلامة الذي تحلّى بالكثير من الصفات القيادية، واستطاع أن يكسر الصورة النمطية للمناضل الفلسطيني، إذ كان يتمتع بمهارات دبلوماسية ويتكلم لغات أجنبية ويستمع لفرانك سياترا ويمارس الرياضة ويحب الحفلات والسفر، وكان محبوبا من دوائر الغرب، وهو ما جعله هدفا رئيسا للموساد حتى تاريخ اغتياله.
وغابت عن السلسلة حادثة اغتيال الروائي والسياسي الفلسطيني غسان كنفاني والتي سبقت عملية ميونخ بنحو شهرين فقط، وهو ما يعني ان الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل ضد الفلسطينيين لا تقتصر على عملية "غضب الرب" فحسب، بل سبقت ذلك وتلتها، وثمة أمثلة لا تحصى عن فلسطينيين قتلوا بيد الموساد، علما أن أبو فخر يؤكد، خلال شهادته، أن الهدف من عملية ميونخ لم يكن قتل الرياضيين الإسرائيليين على الإطلاق، بل الاكتفاء بأخذ بعضهم كرهائن من أجل الضغط على إسرائيل لإطلاق سراح المئات من العرب والفلسطينيين في سجونها.
ولا بد من إشارة أخيرة، هنا، وهي أن الإفلام الغربية التي تتناول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما الحال في هذه السلسلة، تتغاضى، غالبا، عن السياق التاريخي والسياسي المؤلم لهذا الصراع لتظهره على أنه مجرد مواجهة بين مجموعة من "المارقين الفلسطينين" وبين إسرائيل التي تدافع عن حقها في الوجود، وهو اختزال مجحف بحق الشعب الفلسطيني، بالنظر إلى المظالم والعذابات التي تعرض لها منذ نكبة 1948 وحتى اللحظة.
عملية "القضية العادلة"... اصطياد حليف سابق
من فلسطين تقودنا السلسلة إلى بنما التي غزتها الولايات المتحدة في 19 ديسمبر/كانون الأوّل 1989، بأكثر من 20 ألف جندي، بعد توتر العلاقات بينهما، من أجل اعتقال الرئيس البنمي الجنرال مانويل نورييغا في عمليةٍ أطلق عليها اسم "القضية العادلة " (Just Cause).
كان الجنرال نورييغا (1934 ـ 1917) حليفا لواشنطن ويتلقى راتبا من وكالة المخابرات المركزية الأميركية، إذ كان يساعدها في الحدّ من المد الشيوعي في أميركا الوسطى، لكن يبدو أن نورييغا، بحسب تلميح السلسلة، لم يكن "تلميذا نجيبا" على الدوام، فقد انخرط خلال السبعينات في تهريب المخدرات، وهو الأمر الذي جعل العلاقة بين الجنرال البنمي والمخابرات الأميركية تسوء، لكن بعد وصول الحكومة الماركسية الساندينية إلى السلطة في نيكاراغوا عام 1979، تحسّنت العلاقة مجددا بين الطرفين قبل أن تتوتر بحلول عام 1985.
تهمة المخدرات وتزوير انتخابات 1989 كانت الذريعة التي أثارت حفيظة واشنطن التي قرّرت التخلص من الحليف السابق، لكن الأرجح هو أن مهمة نورييغا انتهت، فوضعت الولايات المتحدة خططاً جدية للإطاحة به، فكانت عملية "القضية العادلة" التي حوّلت مدينة بنما إلى ساحة معركة. لجأ نورييغا إلى سفارة الفاتيكان في بلاده، وأمضى فيها 11 يوما، وسط أجواء مضطربة، قبل أن يعلن استسلامه في 3 يناير/كانون الثاني 1990، وانتهت العملية باعتقاله، ونقله للأراضي الأميركية حيث حُوكم بتهمة تجارة المخدرات، وحُكم عليه بالسجن 40 عاماً قضى منها 17 سنة خلف القضبان، ثم ذهب الى فرنسا ليعود الى بلاده مقيما رهن الإقامة الجبرية في بنما حيث توفي عام 2017، عن عمر يناهز 83 عاماً.
محاولة اغتيال البابا
تستعيد إحدى حلقات السلسلة تفاصيل محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في 13 مايو/أيار 1981 الذي أصيب بطلق ناري من قبل التركي محمد علي آغا الذي ألقي القبض عليه في الحال وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، قبل أن تصدر إيطاليا عفوا عن آغا عام 2000 وتسلمه لتركيا حيث سجن، كذلك، بتهمة قتل صحفي عام 1979 وجرائم اخرى، وأفرج عنه عام 2010.
وكان البابا زار آغا في سجنه الإيطالي وصفح عنه في عام 1983، واللافت انه وبعد 31 عاما من الواقعة، أي في العام 2014 زار الآغا ضريح البابا ووضع الزهور على قبره، وهو ما يضفي على الواقعة بعدا "ميلودراميا" يصعب تفسيره، تماما مثلما بقيت محاولة اغتيال البابا الذي توفي عام 2005 غامضة ومحاطة بالكثير من الشكوك والتساؤلات حول الجهة الحقيقية التي أصدرت الأمر للآغا الذي يطل في هذا الوثائقي ليزيد الغموض غموضا، إذ كرر أنه اراد أن يقدم على عمل فردي يذكره التاريخ، فكل ما عرف عن الآغا أنه نشأ في بيئة تركية متواضعة وكان عضوا ذات يوم في منظمة "الذئاب الرمادية" التركية المتطرفة.
ولم تصل التحقيقات حتى يومنا هذا لفك اللغز، لكن ثمة العديد من النظريات حول محاولة الاغتيال، تقول إحداها إن الأمر صدر من موسكو، فالمخابرات السوفيتية الـ (كي جي بي) أوعزت إلى الدوائر السرية البلغارية والألمانية الشرقية للقيام بالمهمة، ولعى الرغم من أن هذه التعلميات الروسية لاغتيال البابا جاءت بسبب دعمه لحركة تضامن بولندا التي ظهرت، مطلع الثمانينات، كحركة مناوئة للشيوعية، وهو ما اعتبرته موسكو تهديدا للهيمنة السوفياتية في أوروبا الشرقية.
آغا نفسه وخلال المحاكمة وما تلاها أدلى بتصريحات متضاربة متعدّدة بشأن الاغتيال في أوقات مختلفة، وعلق أحد المحامين الإيطاليين: "لقد تلاعب بنا جميعا، وروى مئات الأكاذيب، وغير أقواله باستمرار مجبرًا إيانا على فتح عشرات التحقيقات المختلفة".
وستظل محاولة اغتيال البابا أحد أكثر الألغاز غموضا في تاريخ الجاسوسية، والعمليات الاستخبارية، وقد لا تتكشّف خيوطها قبل مرور وقت طويل، كما يلمح الوثائقي.
عملية أزوريان... التجسس في أعماق المحيط
مشروع أزوريان Project Azorian هو مشروع سري لوكالة المخابرات المركزية الأميركية وضع في مطلع سبعينيات القرن الماضي بهدف استخراج غواصة روسية تعرف باسم "ك-129" من قاع المحيط الهادئ، والحصول على معلومات استخباراتية من الغواصة الروسية التي كانت قد غرقت في المحيط الهادئ عام 1968 على بعد 2,600 كم تقريبا شمال غرب هاواي.
ومشروع أزوريان كان واحدا من أكثر المشاريع كلفة خلال الحرب الباردة، إذ بلغت تكلفتها 800 مليون دولار، آنذاك، بعد بناء سفينة ضخمة خاصة للقيام بهذه المهمة التي نجحت في استخراج جزء من الغواصة فقط.