كان لافتا دخول "المرشد" الإيراني علي خامنئي على خط نفي الاتهامات الموجهة إلى طهران بالوقوف وراء عملية "طوفان الأقصى"، تحديدا ما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، نقلا عن أعضاء كبار في حركة "حماس"، و"حزب الله"، عن أن ضباطا من "الحرس" الإيراني تعاونوا مع "حماس" منذ أغسطس/آب الماضي في التخطيط للعملية، وأنه تم تنقيح تفاصيل العملية خلال اجتماعات عدة في بيروت حضرها ضباط إيرانيون وممثلون عن أربع مجموعات مسلحة مدعومة من إيران بما في ذلك "حماس"، و"حزب الله"، كان آخرها يوم الاثنين 2 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
كما قالت إسرائيل على لسان سفيرها لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان: "نحن نعلم أنه كانت هناك اجتماعات في سوريا ولبنان (...) لذا من السهل فهم أن وكلاء إيران في منطقتنا حاولوا التنسيق قدر الإمكان مع إيران"، علما أنه لا يوجد تركيز ممنهج في الخطاب الإسرائيلي على اتهام إيران بالوقوف وراء هجوم "حماس".
والحال أن المؤسسة السياسية والأمنية الإيرانية لم تكتف بالرد على هذه الاتهامات من جانب بعثة طهران لدى الأمم المتحدة، والناطق باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إذ تولى خامنئي شخصيا الرد عليها، قائلا إن من يقولون إن "طوفان الأقصى" عمل غير فلسطيني، عالقون في حسابات خاطئة. واللافت أن خامنئي لم يذكر أميركا بالاسم في رده ذاك، بل اكتفى بالقول إن "المستكبرين يساعدون الكيان الصهيوني"، في إشارة إلى الولايات المتحدة، وهو ما يمكن تفسيره على أنه رغبة إيرانية في رسم سقف التصعيد مع واشنطن. وكانت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة قد نفت، فور صدور تقرير "وول ستريت جورنال"، ضلوع طهران في هجوم "حماس"، كما قال كنعاني إن الاتهامات لبلاده تستند إلى دوافع سياسية، مضيفا أن طهران لا تتدخل في قرارات الدول الأخرى بما فيها فلسطين.
ولا ريب في أن تدخل أعلى مستوى في النظام الإيراني لنفي الاتهامات الواردة في الصحيفة الأميركية تلك يؤكد الأهمية التي توليها طهران لنفي ضلوعها في الوقوف وراء "طوفان الأقصى"، بالرغم من أن الجسم السياسي الإيراني، بكتلتيه الإصلاحية والمحافظة، أيد هجوم "حماس"، وذلك على الرغم من أن هذا التأييد أحدث انقساما في الشارع الإيراني، وتشير التقديرات إلى أنه عائد إلى ضعف الثقة الشعبية بالحكم في البلاد.
استخدام "قوى المقاومة"
من الواضح إذن أن إيران لا ترغب أبدا في الدخول على خط الحرب بين إسرائيل و"حماس" على نحو مباشر، وهو ما عبّر عنه النائب الإيراني المحافظ حسين جلالي صراحة بالقول إن بلاده لا يمكن أن تخوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لكنها ستقدم دعما لـ"حماس"، مضيفا: "نحارب إسرائيل باستخدام قوى المقاومة، هذه سياستنا الاستراتيجية منذ بداية الثورة".
وهو ما يحيل إلى حضور "حزب الله" في هذه الحرب ليس بوصفه أحد "قوى المقاومة" التي تحدث عنها جلالي وحسب، بل بوصفه أكثر هذه القوى "تمثيلا" لإيران على حدود إسرائيل؛ أي إن حضور الحزب في السياقات السياسية والعسكرية لهذه الحرب يمثل إلى حد بعيد حضور إيران فيها. ولذلك فإنه يتعذر الفصل على نحو تام راهنا بين الحزب وإيران فيما يخصّ الاستراتيجية الإيرانية للتعامل مع عملية "طوفان الأقصى" وتداعياتها المحتملة على المنطقة بأسرها.