"الحياة ليست ما عشناه، بل ما نتذكره وكيف نتذكره"، على منوال هذه المقولة للراحل غبريال غارثيا ماركيز الواردة في كتابه "عشت لأروي"، جاءت رواية "صمت الآباء" للفرنكو مغربي رشيد بن زين الصادرة عن "دار سوي" الفرنسية نهاية شهر أغسطس/آب المنصرم، التي حاول من خلالها تسليط الضوء على معاناة آلاف العمال المغاربة الذين ساهموا في بناء أوروبا وإخراجها من نفق الدمار الذي عرفته في الحرب العالمية الثانية، وبصورة خاصة فرنسا التي استعانت بسواعد أبناء مستعمراتها حتى بعد جلائها منها، مستغلة حاجتهم وأحلامهم في حياة أفضل وأكثر إنسانية.
تبدأ أحداث الرواية بمكالمة هاتفية يتلقاها أمين، بطل الرواية، من شقيقته تُعلمه فيها بوفاة والده الذي لم يره منذ أكثر من عقدين، حين قرر مغادرة مسقط رأسه ليبدأ مسيرة فنية جعلت منه عازف بيانو شهيرا، وهي المسيرة التي سمحت له بالاستقلال عن والده والابتعاد عنه قدر الممكن، فلم يكن ثمة من شيء يجمعهما غير الصمت والحوارات المحتضنة شجارات لا تنتهي.
يظهر أمين في هذا المشهد الروائي غير مبال بخبر وفاة والده، وكأنه يتلقى خبر وفاة رجل غريب، فبالنسبة إليه لم يكن والده إلا الرجل الذي تسبّب في وجوده لا غير، ومثل هذا الرجل لا يستحق إبداء أي مشاعر لفقدانه، على الأقل لا يمكنه أن يحزن عليه مثلما فعل أشقاؤه: "حزنهم ليس حزني... يجب أن تكون هناك مشاعر أكثر من مجرد الأسف لنبكي شخصا ما... لا يمكن للموت أن يمحو كل شيء."لكنه في الوقت نفسه يعترف بأن لا مبالاته سببها ضبابية العلاقة التي جمعته بأبيه، والتي بمرور الزمن تلاشت على نحو استحال فيه معرفة حقيقة مشاعره الحقيقية تجاهه: "لا يمكننا العودة إلى الوراء. لا يمكن. كل علاقتي بوالدي، سواء كانت حقيقية أم متخيلة، لم تعد موجودة إلا في خيالي. سأصبح قريبا عاجزا عن معرفة ما إذا كان ما أشعر به، وما أحتفظ به منه، واقعا أم خيالا".