تؤكد الاحتفالات الأخيرة في إيران عقب الهجوم العنيف الذي شنته "حماس" على إسرائيل على العلاقات الوثيقة بين طهران والجماعة الفلسطينية المسلحة المسؤولة عن هذه الأعمال. ولكنها، فوق ذلك، تسلط الضوء على احتمال تصاعد الأعمال العدائية الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين إلى نطاق أوسع بكثير، بحيث يترك الصراع آثارا كبيرة على الأمن الإقليمي.
ويتجلى القلق من إمكانية انتشار هذا الصراع الى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط في قرار واشنطن بنشر مجموعة قتالية تابعة للبحرية الاميركية، بقيادة أكبر حاملة طائرات في العالم، إلى شواطئ شرق البحر الأبيض المتوسط. وهدف هذا الانتشار الرئيسي هو منع النطاق الحالي للصراع المتركز على جهود إسرائيل لقمع مقاتلي حماس في غزة من الخروج عن نطاق السيطرة.
وبالإضافة إلى إرسال حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد"، ومعها الطرادات والمدمرات، كرادع لكل من إيران و"حزب الله"، التزمت الولايات المتحدة أيضا بتزويد إسرائيل بأنظمة الدفاع الجوي والذخائر الأخرى. في رد سريع من واشنطن بعد أن أدان الرئيس جو بايدن بشكل لا لبس فيه هجوم "حماس" ضد إسرائيل خلال عطلة نهاية الأسبوع.
يشكل الدعم السريع والقوي لإسرائيل من إدارة بايدن تحولا ملحوظا في نهج سياستها الخارجية في الشرق الأوسط، التي كانت في السابق تعطي الأولوية لإحياء الاتفاق النووي المتعثر مع إيران باعتباره محور سياستها في المنطقة. ولكن موقف كبار المسؤولين الإيرانيين ودعمهم لحماس في أعقاب هجوم يوم السبت جعلا البيت الأبيض يتحرك الآن بسرعة لطمأنة إسرائيل عن تحالفها الثابت مع الدولة اليهودية.
والحقيقة أن إيران لم تهدر أي وقت في إعلان دعمها للمسلحين مباشرة بعد ظهور أنباء عن هجوم حماس على أهداف إسرائيلية في جنوب ووسط إسرائيل صباح يوم السبت، وأكدت وزارة الخارجية الإيرانية أن هذه الهجمات أتت دفاعا عن النفس من قبل الفلسطينيين.
ووصف مسؤول كبير في الوزارة العملية المستمرة بأنها رد فعل عفوي من قبل فصائل المقاومة وشعب فلسطين المظلوم دفاعا عن حقوقه الأصيلة، ولا يتعدى كونه رد فعل طبيعي على السياسات الاستفزازية للصهاينة ودعاة الحرب.
وكانت مشاهد الابتهاج أوضح داخل المجلس الإيراني، عندما نهض أعضاء البرلمان من مقاعدهم يوم السبت، مرددين شعارات مثل "الموت لإسرائيل" و"فلسطين انتصرت، وستُدمر إسرائيل". وقد أدى رضى إيران الجلي عن عملية حماس إلى ظهور تكهنات بأن الحرس الثوري الإسلامي ربما ساعد قادة حماس العسكريين في التخطيط للهجوم. بيد أن مسؤولي المخابرات الغربية سارعوا إلى توضيح أنه لا يوجد دليل ملموس يربط إيران بشكل مباشر بهذه الهجمات.
بالإضافة إلى إرسال حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد"، ومعها الطرادات والمدمرات، كرادع لكل من إيران و"حزب الله"، التزمت الولايات المتحدة أيضا بتزويد إسرائيل بأنظمة الدفاع الجوي والذخائر الأخرى. في رد سريع من واشنطن بعد أن أدان الرئيس جو بايدن بشكل لا لبس فيه هجوم "حماس" ضد إسرائيل
ولكن تفاقم الأزمة في غزة وتضافرها مع تقارير عن استعداد القوات الإسرائيلية لشن هجوم بري تثير الكثير من التساؤلات حول دعم إيران لحماس وغيرها من الجماعات المسلحة في المنطقة، بما في ذلك حزب الله في جنوب لبنان. وما يثير قلق صناع السياسة الغربيين أن إيران وحلفاءها قد يسعون إلى تصعيد الأزمة من خلال شن هجماتهم ضد إسرائيل، ما سيؤدي إلى توسيع رقع الصراع في المنطقة.
وفي أعقاب أسوأ هجوم ارهابي في تاريخ إسرائيل والذي يشبه في تأثيره هجمات 11 سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة عام 2001، سارع الزعماء الغربيون إلى التعبير عن دعمهم لإسرائيل. وأصدر زعماء المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بيانا مشتركا أعربوا فيه عن دعمهم الثابت وموقفهم الموحد خلف دولة إسرائيل، وأدانوا في الوقت نفسه حماس إدانة قاطعة. صدر هذا البيان بعد اتصال هاتفي شارك فيه رئيس وزراء المملكة المتحدة ريشي سوناك، والرئيس الاميركي جو بايدن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني. وتشكل هذه الدول الخمس معا منظمة كوينت الدولية.
ويؤكد البيان المشترك بشكل لا لبس فيه أن الأعمال الارهابية التي تقوم بها حماس تفتقر إلى المبررات والشرعية، ويجب إدانتها عالميا. ويؤكد أن الإرهاب لا يمكن تبريره على الإطلاق.
ومع ذلك، فإن الدعم الغربي لإسرائيل لا يخلو من الجدل. وفي لندن، حيث عكست الأضواء العلمَ الإسرائيلي على مجلسي البرلمان كرمز للتضامن مع إسرائيل، كان المتظاهرون يتجمعون خارج السفارة الإسرائيلية ومقر رئاسة الوزراء في داونينغ ستريت في مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين. كما وردت تقارير عن قيام متعاطفين فلسطينيين باستهداف المطاعم الإسرائيلية في المملكة المتحدة.
تفاقم الأزمة في غزة وتضافرها مع تقارير عن استعداد القوات الإسرائيلية لشن هجوم بري تثير الكثير من التساؤلات حول دعم إيران لحماس وغيرها من الجماعات المسلحة في المنطقة، بما في ذلك حزب الله في جنوب لبنان. وما يثير قلق صناع السياسة الغربيين أن إيران وحلفاءها قد يسعون إلى تصعيد الأزمة من خلال شن هجماتهم ضد إسرائيل، ما سيؤدي إلى توسيع رقع الصراع في المنطقة
هذه المشاعر القوية المناصرة للفلسطينيين والتي ظهرت في لندن ومختلف أنحاء أوروبا تعني أن الدعم الغربي لإسرائيل ليس غير مشروط. ومن الممكن أن يتبدد بسرعة إذا أدى الرد العسكري الإسرائيلي على الهجمات الأخيرة، كما يتوقع العديد من القادة الفلسطينيين، إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين.
وأثار رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتصلب على هجوم حماس المخاوف من أن القوات الإسرائيلية قد لا تظهر قدرا كبيرا من ضبط النفس إذا شنت الحكومة الإسرائيلية، كما هو متوقع على نطاق واسع، هجوما بريا واسع النطاق للسيطرة على غزة وتفكيك حماس. وتعهد نتنياهو باستهداف مواقع حماس بقوة، مشيرا إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية، التي أدت بالفعل إلى ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين مقارنة بالإسرائيليين الذين قتلتهم حماس، يمكن أن تؤدي إلى خسائر أكبر بين الفلسطينيين.
وأدلى نتنياهو بخطاب ألقاه في وقت متأخر من يوم الاثنين، قال فيه، "لقد بدأنا للتو في ضرب حماس"، ما يشير ضمنا إلى حملة عسكرية أكثر كثافة في المستقبل. وإلى جانب تآكل الدعم الغربي، فإن أي عملية إسرائيلية تؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوف المدنيين يمكن أن تدفع الجهات الفاعلة الإقليمية، وخاصة إيران وانصارها في لبنان وسوريا، إلى المشاركة. وعندها، يمكن أن يتصاعد الصراع إلى أزمة إقليمية واسعة النطاق، مع عواقب طويلة الأمد على المشهد الجيوسياسي في المنطقة.