كيف تمهد تهدئة الخليج لسلام أوسع؟

يعتبر الحد من التوترات والتقليل من استخدام القوة تطورا إيجابيا عموما

AP
AP
توصلت السعودية وإيران إلى اتفاق بينهما برعاية الصين في 6 أبريل/ نيسان 2023

كيف تمهد تهدئة الخليج لسلام أوسع؟

اتخذ حلفاء أميركا في الخليج، في الآونة الأخيرة، خطوات لإصلاح العلاقات مع إيران. وفي مارس/آذار الماضي، توصلت المملكة العربية السعودية وإيران، المتنافستان الإقليميتان الكبيرتان والقديمتان اللتان ساهم صراع نفوذهما في تشكيل سياسات الشرق الأوسط منذ "الثورة" عام 1979، توصلتا إلى اتفاق تطبيع بمساعدة الصين. كما سعت دول خليجية أخرى إلى تحقيق الوفاق مع إيران، حيث قامت أبوظبي بتهدئة الأوضاع مع طهران واستعادة العلاقات معها.

ويعتبر الحد من التوترات والتقليل من استخدام القوة تطورا إيجابيا عموما، ولكن في هذه الحالة قد يتبين أنه فجر خادع إذا لم يقابل برد استراتيجي من واشنطن. وبدلا من تقريب المنطقة من السلام، قد تمنح هذه المصالحات الإقليمية طهران سلسلة من الانتصارات الخطيرة، بما في ذلك إعادة الحياة لحليفتها الحكومة السورية.

والحال أن الولايات المتحدة مطالبة- لمواجهة المكاسب الإيرانية وإقامة نظام إقليمي أكثر استقرارا- باتخاذ ثلاثة إجراءات رئيسة:

أولا، تعزيز التزامها الأمني تجاه شركائها الخليجيين، مما يجعلها أكثر صدقية.

وثانيا، تعزيز العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج في مختلف المجالات.

وأخيرا، الالتزام على نحو أكثر جدية بمساعدة دول الخليج على تطوير قدرات فعالة ومستدامة للدفاع عن النفس.

وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات محفوفة بالمخاطر والتحديات، فإنها تتماشى مع المصالح والاستراتيجية الأميركية طويلة المدى في المنطقة، وتستحق المتابعة.

للاستجابة بفعالية للتوجه الدبلوماسي الجديد في منطقة الخليج، من المهم فهم العوامل التي تقف وراءه. العامل الأول عسكري تقني؛ فعلى مدى العقدين الماضيين، امتلكت إيران مجموعة من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وطائرات من دون طيار، مما منحها القدرة على استهداف دول الخليج وصادراتها النفطية بطرق لم يكن من الممكن تصورها من قبل. وتمتلك طهران الآن أسلحة تقليدية لتكملة قدراتها غير التقليدية في إكراه الأهداف الإقليمية وتقويضها وربما الإطاحة بها.

حين اقترح الرئيس السابق باراك أوباما أن على دول الخليج العربية أن "تتقاسم" الجوار مع إيران، كان ذلك صادما ومرعبا بالنسبة إليهم. أما الآن، فبات ذاك المنحى سياستهم الرسمية.

العامل الثاني جيوسياسي؛ فعندما بدأت إيران في استخدام هذه الأسلحة الجديدة ضد المدن والمطارات والبنية التحتية النفطية في دول الخليج، جاء رد إدارة ترمب بطيئا وغير فعال. ثم جاء خفض القوات الأميركية والأصول العسكرية في المنطقة، إلى جانب الانسحاب الكامل من أفغانستان عام 2021، ليعطي دول الخليج العربية تصورا بأن الولايات المتحدة تتخلى عن مسؤولياتها الأمنية في المنطقة. وحين اقترح الرئيس السابق باراك أوباما أن على دول الخليج العربية أن "تتقاسم" الجوار مع إيران، كان ذلك صادما ومرعبا بالنسبة إليهم. أما الآن، فبات ذاك المنحى سياستهم الرسمية.

AP
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مستقبلا نظيره الأميركي أنتوني بلينكن في الرياض، في 7 يونيو/ تموز 2023

وكان الموقف الأميركي، وزيادة قدرة إيران واستعدادها لاستخدام العنف، سببا في جعل دول الخليج تدرك أن خططها للتحديث والتنويع الاقتصادي تتوقف على استيعاب طهران. وبالتالي، تسعى دول الخليج إلى المصالحة مع إيران، لمنع الهجمات والاعتداءات المستقبلية بالطرق الدبلوماسية، نظرا إلى عدم ثقتها بالردع الأميركي. هذا التحول في النهج هو السبب وراء إعطاء المملكة العربية السعودية الأولوية لإنهاء الحرب في اليمن وسحب الإمارات العربية المتحدة قواتها القتالية من الصراع هناك عام 2020. والآن، تهدف كلتا الدولتين إلى تحقيق الاستقرار في اليمن لتجنب حرب أخرى بالوكالة مع إيران.

أخطار السلام

بالنسبة إلى واشنطن، فإن المصالحة الواضحة بين دول الخليج وإيران، بالرغم من أنها تبدو إيجابية على السطح، فهي تحمل كثيرا من الأخطار الكامنة. أولا، هناك مخاوف من أن تؤدي هذه الديناميكية الجديدة، بناء على إصرار إيران، إلى تهميش الولايات المتحدة تدريجا.

لقد حاول كل رئيس أميركي تقريبا، منذ انتصار "الثورة" الإيرانية"، باستثناء جورج دبليو بوش، التعامل مع طهران، سعيا إلى إنهاء الصراعات وإقامة علاقات سلمية وتعاونية. ومع ذلك فقد كانت الحكومة الإيرانية ترفض مثل هذه المبادرات، في كل حالة. وحتى عندما حاول عدد من الرؤساء الإيرانيين الرد بالمثل والتعامل بشيء من الإيجابية، كانوا يلقون معارضة من المتشددين داخل "الحرس الثوري" الإيراني. والحال أن فكرة المصالحة تظل غير قابلة للتنفيذ في ظل نظام تركز استراتيجيته طويلة المدى على طرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.

التقارب بين إيران ودول الخليج يمكن أن يخلق انقساما بينها وبين الولايات المتحدة– وهو ما يمكن أن يكون النتيجة التي تهدف إيران إليها في متابعة هذه الاتفاقات.

وهذا يعني أن التقارب بين إيران ودول الخليج يمكن أن يخلق انقساما بينها وبين الولايات المتحدة– وهو ما يمكن أن يكون النتيجة التي تهدف إيران إليها في متابعة هذه الاتفاقات. وفيما قلصت إيران نهج المواجهة تجاه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، نراها تزيد في الوقت نفسه من سلوكها وخطابها العدواني تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، على أمل دق إسفين بين واشنطن وشركائها الخليجيين.
علاوة على ذلك، لا يوجد دليل في مبادرات السلام الحالية التي تقوم بها طهران في جميع أنحاء المنطقة على أن أهدافها النهائية قد تغيرت على نحو جذري. ولا تزال إيران تسعى إلى فرض هيمنتها على الشرق الأوسط، والقضاء على دولة إسرائيل، وإخراج الولايات المتحدة من المنطقة. لقد تبنت ببساطة نهجا أكثر تصالحية مع الدول الخليجية في الوقت الحالي، مستفيدة من تاريخها الطويل من العنف ضد هذه الدول نفسها.
ولكن إذا نجحت إيران في مفاقمة التوترات بين الولايات المتحدة ودول الخليج، فإنها ستجعل الأخيرة أكثر عرضة للقسر الإيراني عندما تقرر طهران المطالبة بقدر أكبر من الولاء والخضوع العلني.

استخدام التهدئة كتوطئة لسلام أعم

ربما يكون في هذه الحالة المظلمة بصيص من ضوء، فعلى الرغم من أن المصالحات الناشئة في الخليج يمكن أن تكون سطحية إلى حد ما، لكن بإمكانها أن توفر فرصة لاتخاذ تدابير استباقية تعزز التحالف الأميركي الخليجي استعدادا لمستقبل أكثر عرضة للصراع، حين تعود إيران إلى استراتيجيتها الكبرى التقليدية العنيفة والقسرية. وفيما يلي ثلاثة إجراءات يمكن للولايات المتحدة اتخاذها بالتعاون مع شركائها الخليجيين للتحضير لهذا السيناريو المحتمل.

كان التزام الولايات المتحدة بأمن دول الخليج أساسا رئيسا للوجود العسكري الأميركي في المنطقة، كما عزز السياسات الأمنية لدول الخليج منذ عام 1979 على الأقل، إن لم يكن منذ عام 1945.

أولا، يجب على الولايات المتحدة إعادة تأكيد التزامها بأمن دول الخليج؛ فقد كان هذا الالتزام أساسا رئيسا للوجود العسكري الأميركي في المنطقة، كما عزز السياسات الأمنية لدول الخليج منذ عام 1979 على الأقل، إن لم يكن منذ عام 1945.
وتستحق إدارة بايدن التقدير لإنجازها الحاسم- وإن كان يتم تجاهله في كثير من الأحيان- في هذا الصدد، عندما وقّعت مؤخرا اتفاقا أمنيا جديدا مع البحرين. وفي حين أن الاتفاق قد لا يتضمن محتوى جوهريا على الورق، إلا أنه يشير إلى التزام رمزي كبير، يمثل التزام الإدارة المتجدد بأمن دولة خليجية، بعد فترة من عدم اليقين خلال إدارتي أوباما وترمب. علاوة على ذلك، فإن العلاقات بين السعودية والبحرين تزيد من أهمية هذا الاتفاق.
أما الخطوة الثانية، فستتضمن بذل جهود لتعزيز العلاقات الوثيقة بين دول الخليج وإسرائيل، وكل ذلك تحت المظلة الواقية للأمن الأميركي. وهذا ما يفسر سعي إدارة بايدن الحثيث للتوصل إلى اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل. وفي حين أن مثل هذا الاتفاق سيكون مرغوبا للغاية وينبغي تشجيعه والإشادة به، إلا أن هناك عقبات كبيرة يتعين التغلب عليها. وحتى لو كان لعملية التودد نفسها التي تبديها إدارة بايدن، فلا يزال أمامنا مسافة كبيرة لنقطعها قبل التوصل إلى اتفاق كامل.

WAS
مناورات عسكرية مشتركة في الأسطول الغربي بين القوات البحرية السعودية والأميركية

وبالإضافة إلى الجهود الدبلوماسية، هناك خطوات مهمة وممكنة تماما يمكن أن تتخذها كل من واشنطن ودول الخليج في مجال التعاون العسكري. وتعمل الولايات المتحدة بنشاط على تعزيز القدرات العسكرية لدول الخليج منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، مدركة الحاجة الحقيقية لهذه الدول للدفاع عن نفسها ومسؤولية الولايات المتحدة عن مساعدتها. ويمثل هذا خروجا عن طروحات القرن العشرين، حيث كانت فكرة الدفاع عن النفس في كثير من الأحيان رمزية أكثر منها موضوعية.

جرى إطلاق برامج مختلفة في جميع أنحاء الخليج لتحسين دمج قواتها العسكرية وتحديثها. وأصبحت مبيعات الأسلحة الأميركية إلى المنطقة أكثر استراتيجية وعقلانية

على مر السنين، جرى إطلاق برامج مختلفة في جميع أنحاء الخليج لتحسين دمج قواتها العسكرية وتحديثها. وأصبحت مبيعات الأسلحة الأميركية إلى المنطقة أكثر استراتيجية وعقلانية، مع التركيز على الاحتياجات الأمنية الحقيقية بدلا من الاعتبارات الاقتصادية أو السياسية غير ذات الصلة. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. ولا يزال تنسيق وتحسين الدفاعات الجوية والصاروخية في الخليج (بما في ذلك الطائرات من دون طيار) أمرا بالغ الأهمية. وتحتاج القوات البحرية في الجيوش الخليجية، إلى التحديث، وأجهزة أكثر فعالية، وبرامج متكاملة على نحو أفضل، وأفراد مدربين تدريبا جيدا لمواجهة التهديد البحري الإيراني المتزايد.
علاوة على ذلك، فإن الفعالية العسكرية لكل دولة خليجية، لا ترقى إلى مستوى إمكاناتها. كما أن التصدي لهذا التحدي أمر معقد وحيوي في الوقت نفسه. وسيستلزم ذلك أن يدرك القادة العسكريون الأميركيون أن مساعدة القوات المسلحة العربية في أن تصبح أكثر فعالية يتطلب تطوير وتعزيز الفاعلية والتكتيكات وأساليب التدريب وعمليات الإدارة والقيادة بما يتناسب مع احتياجاتهم الخاصة وثقافتهم وظروفهم الاستراتيجية، وليس الاكتفاء فقط بترجمة كتيبات الدليل العسكري الأميركية إلى اللغة العربية. ويمكن لدول الخليج أن تستلهم النهج الذي يتعلم من الخبرة الأميركية ويكيف العناصر التي تناسب نهجها في الحرب.
ولا بد من التعامل مع الهجوم الدبلوماسي الإيراني بحذر وبجرعة صحية من الشك. ومع ذلك، فهو يوفر هدوءا مؤقتا يمكن لواشنطن استخدامه بحكمة للاستعداد على نحو أفضل للحظة الحتمية عندما تعود إيران إلى موقفها التقليدي الأكثر تصادمية. 

* كينيث بولاك: زميل في معهد المشاريع الأميركية. 
بلال صعب: زميل أول ومدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط.

font change

مقالات ذات صلة