شهدت الكلية الحربية في مدينة حمص وسط البلاد حادثة مروعة يوم الخميس أسفرت عن مقتل أكثر من 90 شخصا. وأشارت التقارير إلى أن المهاجمين استخدموا طائرات مسيّرة مسلحة لاستهداف المنشأة العسكرية شديدة التحصين خلال حفل تخريج للضباط. ولعل هذا الحادث واحد من أخطر عمليات الطائرات المسيّرة التي تُنفّذ ضد منشأة عسكرية سورية وأشدها دموية وأكثرها تنسيقا.
ولكن الغريب أن أحدا من الجماعات لم يعلن حتى اللحظة مسؤوليته عن هذا الهجوم الكبير، رغم أهميته الفائقة، مما يجعل مصدره محاطا بالغموض.
وتلقي الظروف المحيطة بهذا الحادث، إلى جانب وقوعه في عمق الأراضي التي يسيطر عليها النظام، بظلال من الشك حول إمكانية قيام قوات المعارضة شمال غربي سوريا بالوقوف وراء مثل هذا الهجوم المتطور. ومع ذلك، فمن الواضح أن النظام السوري لم يضيع أي وقت في استخدام هذا الحادث كذريعة لشن حملة قصف واسعة النطاق على المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة. وهذا يؤكد التزام الأسد الثابت بمواصلة حربه ضد المدنيين، بغض النظر عن هوية المهاجمين.
وفي أعقاب الهجوم، أصدر الجيش السوري بيانا أكد فيه أن الهجوم نُفذ باستخدام طائرات مسيّرة محملة بالمتفجرات. ونسب البيان الحادث إلى منظمات إرهابية دون أن يسمي المجموعة المسؤولة بشكل صريح. وعلاوة على ذلك، أكد الجيش من جديد التزامه بالرد بأقصى قدر من القوة ومحاسبة الأشخاص المسؤولين عن هذا الهجوم. وصُوّرت الحملة العسكرية الوحشية المستمرة التي شُنّت ضد شمال غربي سوريا في أعقاب الحادث على أنها رد فعل على هجوم الطائرات المسيّرة الذي نفذته مجموعات في المنطقة.
من الواضح أن النظام السوري لم يضيع أي وقت في استخدام هذا الحادث كذريعة لشن حملة قصف واسعة النطاق على المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة. وهذا يؤكد التزام الأسد الثابت بمواصلة حربه ضد المدنيين، بغض النظر عن هوية المهاجمين
وعلى الرغم من أن بعض الجماعات المتمردة، وخاصة "هيئة تحرير الشام"، استخدمت في السابق طائرات مسيّرة معدلة في هجماتها، فإن الأدلة المتاحة تشير إلى أن الهيئة تفتقر إلى القدرة على تنسيق سرب متزامن من هذه الطائرات المسيّرة الفتاكة من أراضيها. ووفقا لمصادر استخباراتية أميركية وأوروبية، فإن قدرات الطائرات المسيّرة لدى المعارضة المسلحة لا تزال بدائية وذات نطاق محدود يناسب في المقام الأول استهداف المناطق القريبة نسبيا من خطوط المواجهة. وفي ضوء ذلك، فإن إمكانية إطلاق طائرات مسيّرة من شمال شرقي سوريا لضرب الأكاديمية العسكرية، الواقعة على بعد 100 كيلومتر من أقرب موقع للمتمردين، تبدو بعيدة الاحتمال.
وبالتالي، فإن السيناريو الأكثر منطقية يشير إلى أن الهجوم انطلق من مناطق خاضعة لسيطرة النظام. فإذا كان الأمر كذلك، فينبغي أن نتذكر أن "هيئة تحرير الشام" ليست المجموعة الوحيدة القادرة على تنفيذ مثل هذا الهجوم؛ إذ كان تنظيم "داعش" سبّاقا بشكل خاص في تسليح الطائرات المسيّرة المدنية، وتصنيع الذخائر اللازمة لتنفيذ أعمال عنف وممارسة الضغط. وأثارت الظروف المحيطة بالهجوم، إلى جانب ندرة المعلومات التي نُشرت بعد ذلك، شكوكا بين المحللين بشأن رواية النظام. ومن الجدير بالذكر عدم وجود لقطات فيديو تصور الهجوم على الرغم من التغطية الإعلامية الواسعة للحفل.
ومن المفيد الانتباه إلى أن النظام امتنع عن نشر صور تظهر بقايا الطائرات الهجومية أو المتفجرات المستخدمة. وأثار غياب هذه الأدلة الحاسمة، التي تساعد في تحديد نوع الطائرات المسيّرة وحمولتها، الشكوك حول هوية الجهة المسؤولة. وطرح أنصار النظام تساؤلات حول كيفية تمكن الطائرات المسيّرة من الوصول إلى الأكاديمية العسكرية دون أن تُكتَشف، وهو أمر محير للغاية نظرا لأن الأكاديمية تقع داخل منطقة أمنية وعسكرية شديدة التحصين ومجهزة بأنظمة الرادار.
وسلط المنتقدون الضوء على حالة الفوضى والمنافسة الداخلية بين القوى الموالية للنظام. وينبع هذا الاضطراب من تضارب المصالح بين الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية والميليشيات المحلية والأجنبية، على النفوذ والمكاسب المالية. ويمتلك الكثير من هذه الجهات طائرات مسيّرة قادرة على شن مثل هذه الهجمات للحفاظ على قوتها أو توسيع نفوذها. ويُعتبر القرار الأخير الذي اتخذته الحكومة بإزالة نقاط التفتيش العسكرية من الطرق الرئيسة، والتي تدر عائدات مالية كبيرة على القائمين عليها، دافعا محتملا لتنفيذ مثل هذا الهجوم. ويمكن استغلال هذه الحادثة كمبرر للدعوة إلى التراجع عن هذا القرار وتعزيز الإجراءات الأمنية. وفي كل الأحوال، فإن القائمة مليئة بالدوافع والأسباب وتشمل الكثير من الفاعلين.
تشير الاحتجاجات المستمرة ضد النظام في السويداء، إلى جانب المشاعر المتكررة المناهضة للحكومة، والتي عبر عنها السكان الخاضعون لسيطرتها على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن محاولات النظام لإخضاع شعبه لم تنجح حتى الآن
وفي حين أن هذه الدوافع أو التباينات لا تشكل دليلا قاطعا على تورط القوات الموالية للنظام في الهجوم، ولا سيما في غياب دليل ملموس، فإنها تشير إلى أن هناك جهات فاعلة أخرى تمتلك الدافع والقدرة على تنفيذ مثل هذا الهجوم بطائرات مسيّرة. ورغم الشكوك الكبيرة بشأن تورط جماعات المعارضة، إلا أن النظام لا يزال عازما على الانتقام. ومنذ وقوع الحادث، استهدف وابل متواصل من القصف والغارات الجوية أكثر من 1100 موقع في شمال غربي سوريا. وأدى ذلك إلى تدمير كبير للمرافق والبنية التحتية الحيوية، ومقتل العشرات من المدنيين، وإصابة المئات، ونزوح ما لا يقل عن 20 ألف شخص حتى تاريخ 8 أكتوبر/تشرين الأول.
وتسمح هذه الحملة الوحشية للنظام بالتأكيد على أن نهاية الصراع ما زالت بعيدة. والأهم من ذلك أنها تسعى إلى صرف الانتباه عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة ووقف الانتقادات بسبب عدم قدرة النظام على تحسين الظروف المعيشية التي تفاقمت في الأشهر الأخيرة. وعلاوة على ذلك، فهي تمكّن النظام من مواصلة تنفيذ إجراءاته العقابية ضد المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، مما يمنعهم من تجربة العيش بشكل طبيعي.
وتشير الاحتجاجات المستمرة ضد النظام في السويداء، إلى جانب المشاعر المتكررة المناهضة للحكومة، والتي عبر عنها السكان الخاضعون لسيطرتها على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن محاولات النظام لإخضاع شعبه لم تنجح حتى الآن. ومع ذلك، فمن المرجح أن يستمر النظام في استخدامه لنهج الحل الأخير هذا، خاصة وأن العالم أصبح لا يبالي بقتل مئات الآلاف من المدنيين السوريين.