"السينما ترقص وتغني" في مهرجان الإسكندرية السينمائيhttps://www.majalla.com/node/301786/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D9%82%D8%B5-%D9%88%D8%AA%D8%BA%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%87%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%83%D9%86%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7%D8%A6%D9%8A
على مدار خمسة أيام، أقيمت فعاليات الدورة 39 لمهرجان الغسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، بداية من الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تحت شعار "السينما ترقص وتغني". وتحمل هذه الدورة اسم الفنانة "إلهام شاهين"، وهو تقليد حرص المهرجان على اتباعه منذ دورته الثلاثين في 2014 التي حملت اسم الفنان الراحل "نور الشريف" ثم توالت الدورات بأسماء الفنانين منهم محمود ياسين ويسرا ونادية لطفي ومحمود حميدة، في مقابل اسم لمخرج واحد هو علي بدرخان في العام ما قبل الماضي.
ضم برنامج الدورة الجديدة 120 فيلما من 24 دولة، في ما حلّت فرنسا ضيف شرف، وكانت مفاجأة حفل الافتتاح ظهور خاص للإعلامية الشهيرة سهير شلبي ضمن مقدمي الحفل، بصوتها المميز الذي حمل عبق الثمانينات.
السينما والصوت
عاش الفن السينمائي منذ نشأته ما يربو على ثلاثة عقود صامتا، حتى عرف الصوت طريقه إلى الشريط السينمائي، وكان من الطبيعي آنذاك أن يستفيد من الغناء والموسيقى كما فعل الفيلم الأميركي "مغني الجاز" (1927) أول الأفلام الناطقة عالميا. في مصر لم يختلف الأمر كثيرا، إذ ظهر أول فيلم ناطق سنة 1932، وثمة خلاف حول ما إذا كان هذا الفيلم هو "أولاد الذوات" أو "أنشودة الفؤاد"، ويوصف الأخير بأنه "فيلم وطني عظيم موسيقي وغنائي ومتكلم"، وجاء الفيلم في المركز 95 بإجمالي أصوات 162 نقطة.
في العام الماضي، أثار المهرجان الكثير من الجدل بسبب استفتاء قائمة أهم 100 فيلم كوميدي في تاريخ السينما المصرية، وهو ما تكرر هذا العام باستفتاء جديد لأفضل 100 فيلم غنائي
وفي العام الماضي، أثار المهرجان الكثير من الجدل بسبب استفتاء قائمة أهم 100 فيلم كوميدي في تاريخ السينما المصرية، وهو ما تكرر هذا العام باستفتاء جديد لأفضل 100 فيلم غنائي، التي تشكلت لجنة اختيار قائمته من 32 اسما، نفس عدد لجنة استفتاء العام الماضي التي ضمّت الأسماء نفسها تقريبا مع تغييرات طفيفة، كانضمام كل من الموسيقار تامر كروان وراقص الباليه هاني حسن، ربما لتمثيل جانب الغناء والاستعراض. اتبعت اللجنة في اختياراتها عددا من مراحل التصويت والفرز وجمع النقاط انطلاقا من معيارين أساسين في التفريق بين ما هو غنائي وما ليس كذلك: "أن يكون عدد الأغنيات في الفيلم ثلاث على الأقل، وأن تكون ضمن السياق الدرامي للفيلم وجزءا من نسيج أحداثه".
تصدرت الأفلام الثلاثة (غرام في الكرنك، وخلي بالك من زوزو، وغزل البنات)، المراكز الأولى في القائمة، في حين جاء "أدهم الشرقاوي" للمخرج حسام الدين مصطفي في ذيلها، قدم الفيلم مجموعة من الأغنيات الشهيرة والمميزة بصوت عبد الحليم حافظ مصاحبة لتكملة الحكاية لسيرة البطل الشعبي. ومن المخرجين جاء في المركز الأول هنري بركات (11 فيلما) يليه أنور وجدي مخرجا لـ 7 أفلام، وقد تكرّر اسمه كبطل لـ "9 أفلام"، في القائمة الثانية أيضا. أما العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، فاحتفظ بالمرتبة الأولى بـ 13 فيلما، وجاء الثلاثي فريد الأطرش ومحمد فوزي ومحمد عبد الوهاب في المرتبة الثانية والتي ضمت محمد منير ومحمود رضا. أما في الجانب النسائي فتصدرت دلوعة الشاشة شادية القائمة بـ 9 أفلام، تليها ليلى مراد وسعاد حسني" بسبعة أفلام لكل منهما.
الكومبارس العاشق
قبل شهر من انطلاق هذه الدورة، بدأ المهرجان بالإعلان عن مفاجآته المقبلة تباعا وكان من بينها تكريم المخرج اليوناني كوستاس فيريس، مع تأكيد طلب فيريس حضور النجمة ليلى علوي لتسلمه التكريم. ولما كانت علوي تجيد اليونانية فقد استهلت كلمتها في حفل الافتتاح بتوجيه التحية لفيريس.
ولد كوستاس فيريس في 1935، ولا شك أن حياته المقتربة من تسعة عقود كانت مليئة بالحركة والإثارة والمرح أيضا، وهو ما ظهر على الشيخ من خلال نكاته و"قفشاته" المصرية المتلاحقة سواء في حفل الافتتاح أو عبر اللقاءات الصحفية، ما بين كتابة شعر وممارسة صحافة وانتماء لتيارات سياسية. قضى كوستاس نصف عمره تقريبا هاربا تارة ومرتحلا تارة أخرى، وفي مطلع الستينات أخرج فيلمه القصير الأول بعد قيامه بالمشاركة في تأسيس مجموعة "السينما اليونانية الجديدة"، وكان لانخراطه في مجموعة "الريمبيتيكو" أثرا كبيرا في إخراج فيلمه المميز بالعنوان نفسه عام 1983، وهي موسيقى شعبية يونانية.
ينتمي كوستاس لأربع ثقافات مختلفة، فإلى جانب جنسيته اليونانية، ولد في مصر لأب لبناني وأم قبرصية وعاش فيها العشرين سنة الأولى من حياته وتحديدا في حي "شبرا"، أحد أشهر أحياء القاهرة، وهي الفترة التي عمل فيها كومبارسا في بعض الأفلام المصرية القديمة مثل "فاطمة وماريكا وراشيل" و"عفريتة هانم" و"لحن الحب" و"باب الحديد"، كما شارك في عدد من الأعمال الأوبرالية مثل "أوبرا عايدة".
يعمل كوستاس حاليا على مشروع فيلم جديد بعنوان "كوبري الليمون" وصفه بالحلم الأخير، ملخصا فكرته بلغته العربية الركيكة "حكايات عن واحد مخرج" يتناول فترات صباه وشبابه في حقبتي الأربعينات والخمسينات، ويأمل أن يكون فيلما متعدد اللغات؛ 45% منه ناطق باليونانية ومثلها باللهجة المصرية، فيما تذهب الـ 10% الباقية لبعض اللغات الأخرى التي كانت متداولة في مصر في تلك الفترة مثل الإنكليزية والفرنسية.
ثلاثة أفلام مصرية
في حوار تلفزيوني مع الناقد الكبير سامي السلاموني، أجري في ثمانينات القرن الماضي، أشار إلى وجود حالة من العنف –أو الرغبة فيه- بدأت تظهر لدى الجماهير، وتندر السلاموني مبرهنا على ذلك بطرح مقارنة بين جمهور أفلام الأبيض والأسود وهم يعدّون عدد القبلات المتوالية في الفيلم واحدة بعد الأخرى، في ما يميل جمهور الثمانينات إلى متابعة رقمية جديدة تلتذ بإحصاء عدد الصفعات. رحل السلاموني مطلع التسعينات ولم يمهله القدر اللحاق بالألفية الثالثة، وظهور ما اصطلح عليه بـ "السينما النظيفة" التي لا يجد أفراد الأسرة أي حرج من مشاهدتها بصورة جماعية، ما ترتب عليه عودة الأسر إلى صالات العرض، وربما بتصاعد المد الأخلاقي المجتمعي، وفي ما بعد تناست السينما تماما أو حظرت كل ما يمكن إدراجه تحت بند خدش الحياء العام.
احتفظ العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، بالمرتبة الأولى بـ 13 فيلما، وجاء الثلاثي فريد الأطرش ومحمد فوزي ومحمد عبد الوهاب في المرتبة الثانية
في فيلمه الروائي الأول الطويل "اختيار مريم" يخترق محمود يحيى ذلك الحظر الطويل ويُسجل "قبلة العودة" لشاشات السينما، لكن الأمر أفلت قليلا من يد المخرج وربما نتج ذلك عن تعمد مباشر لم يكن في كل الأحوال في صالح الدراما، وهو ما كاد يوقع عددا لا بأس به من المشاهد في فخ الإباحية غير الفنية، مما جعل بعض الجمهور يغادر صالة العرض محتجا، لا سيما مع تكرار مشاهد وجد فيها البعض فجاجة مبالغا فيها. نتابع في الفيلم أسرة "مريم" وهي سيدة فقيرة تعمل جليسة لأحد الأبطال الرياضيين بعد إصابته الجسيمة التي لا يرجى التعافي منها، لذا يعقد صفقة مع "مريم" مفادها أن تنهى حياته بالموت الرحيم في مقابل مبلغ مالي محترم وتسجيل يحمل اعترافه بالانتحار تجنبا لأي مساءلة قانونية.
الفيلم بطولة جماعية لـمحمد رضوان ورشا سامي وجنا صلاح وأحمد ابو زيد، وقد نال نصيب الأسد في مسابقة الفيلم المصري التي ضمت خمسة أفلام، حيث حصد محمود يحيى مخرج العمل وكاتبه جائزة أفضل إخراج، في ما ذهبت جائزتي التمثيل لرشا سامي كأفضل ممثلة ومحمد رضوان أفضل ممثل، وكان من أكثر الأداءات طبيعية واحترافا، وهو ما وجد صداه في هتافات الحضور في الصالة سواء أثناء عرض الفيلم أو بعده.
يأتي في المركز الثاني واحدا من أسوأ الأفلام المعروضة أخيرا وهو "الصف الأخير" تأليف وإخراج شريف محسن، ومن بطولة تيام قمر وبيومي فؤاد وياسر الطوبجي، وعلى الرغم من أنه فيلم من النوع الباهت سواء على مستوى الفكرة أو الإخراج والتمثيل –وخصوصا التمثيل- إلا أنه حصل على جائزتين هما أفضل فيلم وأفضل سيناريو.
اشتركت الأفلام المصرية الخمسة المتنافسة في عدد من السمات، يأتي في مقدمتها غلبة سينما المؤلف، فأربعة من هذه الأفلام كتبها مخرجوها، وهي الأفلام الأولى في مسيرة مبدعيها بعد عدد من الأفلام القصيرة والتجارب الأخرى، ونلاحظ أيضا جانبا مشتركا بين هذه الأفلام حيث خلت معظمها من أسماء نجوم الصف الأول أو حتى الثاني، واعتمدت على عدد كبير من الوجوه الصاعدة أو الجديدة إلا في ما ندر، أو في صورة ظهور بعض الأسماء الشهيرة كضيوف شرف، مثل فيلم "أما عن حالة الطقس" الفائز بجائزة لجنة التحكيم.
يشارك في التمثيل حسن الجريتلي وحنان يوسف، أما البطولة والتأليف والإخراج فهي لأحمد حداد، الذي قال إنه فوجئ بمشاركة الفيلم في المهرجان ثم فوجئ بعد ذلك بالفوز في حفل الختام. اجتهد حداد كثيرا في صنع حالة مغايرة في فيلمه، إلا أنها لم تخرج عن موجة أفلام النخبة –أو سينما المثقف- التي وصمت بها السينما المستقلة، كما لم يوفق في تطعيم الأغنيات بالحدث الدرامي، وهو ما يحتم عليه وضع عدد من النقاط التي يجب مراجعتها مستقبلا، ربما يأتي مشاركته بالتمثيل في مقدمتها.
سينما الهجرة
في عام 2017 أطلق المهرجان برنامجا خاصا بأفلام الهجرة غير الشرعية ضم 11 فيلما، وذلك إسهاما من الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما (الجهة المنظمة للمهرجان) "في مواجهة تلك الظاهرة التي تتغذى على شبابنا". من جديد يُعاود المهرجان برنامجه المجتمعي في نسخة ثانية بعنوان "مراكب الموت"، وهو عنوان لأحد أفلام البرنامج من إخراج إياد أبو روك، أما حديث الموسم السينمائي المصري أخيرا، خصوصا بعد ترشيحه من قبل نقابة المهن التمثيلية ليمثل مصر في حفل جوائز الأوسكار، فكان "ڤوي. ڤوي. ڤوي" من إخراج عمر هلال، ومن الغريب بخصوص هذا الفيلم تحديدا أن المهرجان لم يستغل فرصة عرضه كما ينبغي، لاسيما حين نعلم أن جميع العروض مجانية وهو ما كان سيعود بمردود قوي على المهرجان بعملية إعلانية بسيطة تقتنص الفرصة.
اشتركت الأفلام المصرية الخمسة المتنافسة في عدد من السمات، يأتي في مقدمتها غلبة سينما المؤلف، فأربعة من هذه الأفلام كتبها مخرجوها، وهي الأفلام الأولى في مسيرة مبدعيها بعد عدد من الأفلام القصيرة والتجارب الأخرى
اقتصرت مسابقة الفيلم المصري على خمسة أفلام فقط، وربما كان ذلك سببا في عدم وجود تنافس قوي، أما المسابقة الدولية فلا شك انها كانت أكثر حظا بمباراة حامية بين عشرة أفلام من فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص والمغرب وكرواتيا، وفي نهاية الجولة فازت اليونان بالضربة القاضية محرزة أربعة جوائز بفيلم "حجر أسود"، تأليف وإخراج سبيروس جاكوفيديس، وقد حصد أفضل إخراج وأفضل فيلم، في ما ذهبت جائزتا التمثيل لبطلي الفيلم.
يجمع الفيلم بين الوثائقي والروائي "الدوكيودراما" من خلال حبكة إنسانية عن العمال المفقودين، مسلطا الضوء على معاناة والدة أحد الشباب العمال. استطاعت القصة المؤثرة إزاحة تقدم فيلمين كانا من أكثر الأفلام المرشحة ("5 هكتارات"، فرنسا، و"طعام فضائي"، إيطاليا)، منتصرة للهم الجمعي على الهموم الفردية –حتى وإن كانت وجودية- وهو ما يتضح أكثر في بقية قائمة الفائزين وضمت ثلاثة أفلام من إسبانيا والمغرب والبوسنة والهرسك.