من المبكر التكهن بمدة ومآلات وتداعيات حرب غزة، إسرائيليا وفلسطينيا وعربيا وإقليميا، فذلك يتوقف على مداخلات غير منظورة بعد، في اليوم الرابع للحرب، علما أن حرب إسرائيل الأولى على غزة (2008) استمرت 21 يوما، ونجم عنها مصرع 1200 من الفلسطينيين مقابل 13 إسرائيليا، في حين الثالثة (2014) استمرت 50 يوما، ونجم عنها مصرع 2100 من الفلسطينيين مقابل 70 إسرائيليا، مع دمار هائل في البني التحتية والبيوت والممتلكات في غزة، في الحربين. لذا ففي اليوم الرابع للحرب يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
أولا: ثمة مفاجأة جريئة وغير مسبوقة تعرضت لها إسرائيل، وأذلت جيشها، لكنها تمالكت نفسها وذهبت نحو التوحش باستخدام أعتى ما في ترسانتها الحربية من أسلحة مدمرة، بحجة الدفاع عن نفسها، بقصف غزة من البر والجو والبحر بشكل مبرمج، شديد وهمجي. وبالتوازي ذهبت أيضا نحو حرب الإبادة، والعقاب الجماعي، واعتبار الفلسطينيين ليسوا بشرا. فبعد حصار ظالم ومشدد، مستمر منذ 16 عاما، على مليوني فلسطيني في غزة، ها هي تقطع المياه والكهرباء والوقود والمواد التموينية عنهم؛ وهي جرائم حرب تتناقض مع الشرائع الدينية والمدنية، وذلك لإخضاع الذين تجرأوا على كسر فكرتها عن واقع الاحتلال المريح والمربح، التي ظنت أنها تعيش فيها لا مبالية بحقوق الفلسطينيين وبكرامتهم.
ثانيا: من الأساس، إسرائيل هي المتسبب في الحرب، بسياساتها الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني، منذ النكبة، ومع احتلال 67، وممانعتها تطبيق حتى اتفاق أوسلو، ورفضها المبادرة العربية للسلام، وإفلاتها عصابات المستوطنين لانتزاع أراضي الفلسطينيين، والتنكيل بهم. علما أن تعريف إسرائيل كدولة كولونيالية وكدولة أبارتهايد بات ضمن قاموس منظمات أممية، وعديد من أصحاب الرأي الإسرائيليين، بل إن إبراهام بورغ (رئيس الكنيست السابق) شبه سياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين بسياسات النازية في البلدان الأوروبية التي احتلتها. وتلك ملاحظة برسم من يحاولون قلب الصورة، إذ إن الفلسطينيين هم الضحية هنا، وإسرائيل بوجودها وبسياساتها هي المعتدية، وليس العكس، أما المقاومة فمجرد رد فعل طبيعي لأي شعب على الاضطهاد والاحتلال؛ مع كل الملاحظات والانتقادات المشروعة لمسارات الحركة الوطنية الفلسطينية وخطاباتها وطرق عملها وعلاقاتها الداخلية. وعليه، يفترض أن لا يغيب عن إدراكات البعض، بحجة معارضة "حماس"، الحقائق السابقة، عن عدالة قضية الفلسطينيين، وطبيعة إسرائيل كدولة استعمارية وعنصرية ودينية وعدوانية، حتى بتوصيفات إسرائيليين مثل: إيلان بابيه، وجدعون ليفي، وعميرة هس، وأوري رام، وأبراهام بورغ، وغرشون شافير، وشلومو ساند.