بدأت مسيرة رشيد الضعيف (1945) الروائية في نهاية سبعينات القرن الماضي، وخاض تجارب روائية عديدة، تغلغل عبرها في الذاكرة، وقارب الحرب اللبنانية من زاوية تفكيك الوعي النفسي، وخطا نحو رواية ما بعد الحرب، التي اتخذت طابعا حميميا، عبّر من خلاله عن العلاقة الشائكة بين الشرق والغرب، وعن تناقضات المجتمع الذكوري، ومختلف مؤسساته. كما كتب التخييل الذاتي وخاض تجربة الرواية الفانتازية، وإن تلفّعت سردياته أحيانا، بمجازات تراثية. ذلك أن هواجس ما يجري في تربة الجغرافيا المعقدة المسماة بـ "العالم العربي" من التباسات اجتماعية، وتجاذبات فكرية وعقدية، واحتراب جسدي، وارتداد مطرد إلى أسئلة الغيب، ما هو إلا صيغة أخرى لحرب مخفية بين التلافيف والحنايا، لا تلبث امتداداتها أن تستعر مع ازدهار عوامل النكوص إلى المحافظة وتراجع مكتسبات النهضة.
ولعلّ ما استرعى انتباه لجنة التحكيم ما تنطوي عليه أعمال رشيد الضعيف من جرأة نقدية، لا تعيد كتابة ذاتها، حيث اختار، عكس التيار، ألا يدخل الرواية من باب السرديات التاريخية الكبرى، بل قارب فن الرواية والتراث العربي والحداثة وما بعدها وتشظّي الفرد والمجتمع، عبر الغوص في ذات الراوي/المثقف العربي، وتناقضاته، بأسلوب موارب، يتعمّد الاستسهال ولا يسقط فيه، ويخفي ما أمكن خلفيات النص النقدية، بلغة مصقولة ونافذة الأثر. وكما لاحظت لجنة التحكيم أيضا، فإن أعمال رشيد الضعيف، بما تشتمل عليه من رؤى جمالية وإنسانية فارقة في مسار الرواية العربية اليوم، وباعتبار قيمتها الفنية والفكرية، قد خدمت الثقافة العربية.
يذكر أن رشيد الضعيف استهل كتاباته الإبداعية بالشعر في العام 1979، وما لبث أن انتقل إلى عالم السرد في العام 1983. وإذ عاد إلى الشعر في العام 1993 عبر ديوانه "أي ثلج يهبط بسلام"، لكن شهرته وبصمته في عالم الأدب تكرست في مجال الرواية، وقد صدر له أكثر من 17 رواية، مقابل ثلاث مجموعات شعرية، ومجموعة قصصية قصيرة شخصياتها أطفال. وترجمت أعماله إلى نحو 12 لغة. حصل على درجة الدكتوراه في الأدب الحديث من جامعة السوربون وعمل مدرّسا للغة العربية للأجانب في جامعة باريس الثالثة بين 1972 و1974، وأستاذا للغة العربية بالجامعة اللبنانية ببيروت من عام 1974 إلى عام 2008. وعمل أستاذا زائرا بجامعة تولوز الفرنسية من أبريل/ نيسان إلى مايو/ أيار 1999. من أعماله: "تصطفل ميريل ستريب"،" عودة الألماني إلى رشده"،" أوكي مع السلامة"،" ليرننغ إنغلش"، وغيرها.
جائزه محمد زفزاف
تعدّ جائزة محمد زفزاف للرواية العربية من أهم الجوائز المغربية والعربية التي تكرم روائيين عرب على مجمل أعمالهم، وتصل قيمتها المادية عشرة آلاف دولار. أسست بمبادرة من "موسم أصيلة" سنة 2002، عاما بعد وفاة الكاتب الذي تحمل الجائزة اسمه، الروائي المغربي الكبير محمد زفزاف (1945-2001)، تكريما لما قدمه للأدب المغربي الحديث، خصوصا في مجالي الرواية والقصة القصيرة، وهي تمنح كل ثلاث سنوات بالتناوب مع جائزتين أخريين يرعاهما منتدى أصيلة، هما "جائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي"، و"جائزة بلند الحيدري للشعراء العرب الشباب".
أعلنت الدورة الأولى لهذه الجائزة عام 2002، وفاز بها الروائي السوداني الطيب صالح، وفاز بدورتها الثانية في 2005، الروائي الليبي ابراهيم الكوني، أما الدورة الثالثة فقد فاز بها عام 2008 الروائي المغربي مبارك ربيع، وفاز بالدورة الرابعة عام 2010 الروائي السوري حنا مينه، ودورة 2013 فازت بها الروائية الفلسطينية سحر خليفة، وفاز بدورة 2016 الروائي التونسي حسونة المصباحي، في حين فاز بدورة 2018 الروائي المغربي أحمد المديني.وفي الحقيقة، كانت هذه الاختيارات توفيقا كبيرا للجائزة ومنظميها، إذ حافظت على مستوى رفيع على مدى سنوات، وهو ما ضمن لها استمرارية بذات القيمة العالية، لأن كل من فازوا بها حتى الآن نجوم عالية في سماء الرواية العربية، وهم الذين منحوها هذه المكانة الأدبية المرموقة.
موسم أصيلة
انطلقت فعاليات الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي الرابع والأربعين يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول وتستمر إلى 26 منه، بمشاركة حوالي 300 من رجال السياسة والفكر والأدب والإعلام والفن التشكيلي من مختلف أنحاء العالم. وبالموازاة مع هذه الأنشطة، سينظم منتدى أصيلة جامعة المعتمد بن عباد المفتوحة، في دورتها السابعة والثلاثين، وهي عبارة عن برنامج بحثي، يتوزّع بين ندوات ولقاءات تجمع سياسيين ورؤساء دول ووزراء وخبراء ومفكرين وباحثين من العالم العربي وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وقد تميز افتتاح هذه الدورة بالرسالة الهامة التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة للمشاركين، وقرأها نيابة عنه الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة ميغيل أنخيل موراتينوس، وفيها أكد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تفرد "موسم أصيلة" الذي ينجح كل عام في استقطاب نخبة من المثقفين والسياسيين والباحثين والأكاديميين، مجددا الاهتمام الذي يوليه، كأمين عام لمنظمة الأمم المتحدة، للقارة الأفريقية التي تقع في صلب هذا الحدث الفكري الهام.