إسرائيل المتفاجئةhttps://www.majalla.com/node/301561/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D8%A9
الشيء المؤكد في هجوم "حماس" الأخير على الجانب الإسرائيلي، هو ما حصل من مفاجأة في إسرائيل. إسرائيل التي اعتادت على مفاجأة العرب والفلسطينيين واجهت مفاجأة من العيار الثقيل، وللمرة الثالثة بمثل هذه القوة وعدم التحضر المسبق.
المرة الأولى، وقد تكون الأهم كانت في أكتوبر/تشرين الأول 1973، عندما فاجأت القوات المصرية والسورية إسرائيل بالمبادرة إلى الحرب والتوغل سريعا في الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. آنذاك كانت إسرائيل لا زالت تعيش "أفراح النصر" في يونيو/حزيران 1967، والتي مكنتها في حرب خاطفة من احتلال سيناء والجولان وغزة والضفة الغربية، بحيث تضاعفت مساحة الأرض تحت سيطرتها بثلاثة أضعاف... ولم تتوقع أن يستعيد الجيشان المصري والسوري عافيتهما بسرعة وأن يكونا جاهزين لمنازلة كالتي فرضاها على إسرائيل وجيشها، الذي اعتقد الإسرائيليون وكثير من شعوب العالم، بما في ذلك جزء من العرب، بأنه "لا يهزم".
وكما هو معروف فقد فقدت القيادات الإسرائيلية، السياسية والأمنية وغيرهما، اتزانها وقدرتها على الرد السريع، مما أدى إلى الاستنجاد بالأميركيين لردع المصريين والسوريين، من جهة، وإلى وصول بعض القيادات إلى حالة اليأس التي عبر عنها في المقولة المنسوبة لموشيه ديان: "على آخر واحد يهرب أن يطفئ الضوء".
لكن الأهم كما عرفنا بعد الحرب بحوالي أربع سنوات، هو معاقبة حزب "ماباي" والحركة العمالية في الانتخابات العامة، وصعود حزب المعارضة المركزي، الليكود بقيادة مناحم بيغن، إلى سدة الحكم، مما عنى أو أدى إلى تغييرات جدية في إسرائيل، وعلى كل المستويات، ولا زالت تتفاعل في غالبيتها، حتى اليوم.
فقدت القيادات الإسرائيلية، السياسية والأمنية وغيرهما، اتزانها وقدرتها على الرد السريع، مما أدى إلى الاستنجاد بالأميركيين لردع المصريين والسور
المرة الثانية، والتي تفاجأت بها إسرائيل جديا، كانت مع اندلاع الانتفاضة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 1987، عندما فاجأ خروج جموع غفيرة من الفلسطينيين إلى الشارع، في عمليات احتجاجية غير مسبوقة في التاريخ الفلسطيني عموما، وفي مقاومة إسرائيل بشكل خاص. عندها حكمت إسرائيل حكومة وحدة وطنية بقيادة مشتركة للحزبين الكبيرين، الليكود والعمل، والاثنان ومن خلفهما عموم الإسرائيليين، وغالبية العرب، بما في ذلك الفلسطينيون أنفسهم، لم يتوقعوا اندلاع انتفاضة منظمة ومتماسكة وشاملة ضد الاحتلال الإسرائيلي. ووفق ما عرفنا بعد ذلك فإن الفلسطينيين تغيروا خلال الانتفاضة وبعدها، والعالم تغير في انحياز جدي لدعم نضال الفلسطينيين، وانقسمت إسرائيل جديا في نقاش عميق ويومي متواصل حول ما يمكن فعله مع الفلسطينيين. بعد حوالي أربع سنوات من اندلاع الانتفاضة وتواصلها، اختار الإسرائيليون حزب العمل بقيادة رابين، وحزب ميرتس اليساري، بشراكة مع حزب شاس المتدين، لقيادة الحكومة آنذاك. وهي الحكومة التي قادت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ووقعت على اتفاقات أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية.. وكلها تغييرات لا زالت تعصف في إسرائيل وتغيرها، إلى يومنا هذا.
دخول قوات "حماس" إلى الأراضي الإسرائيلية صباح اليوم، هو مفاجأة كبيرة ثالثة، بفعل مبادرة حربية عربية، لإسرائيل وللعالم وللعرب عموما، ولقيادة سلطة رام الله وفصائل منظمة التحرير، وغالبية النشطاء الفلسطينيين، بحيث من الصعب أن يصدق أحدهم، إذا قال إنه توقع، وأن السيناريو كان أمامه أو فكر في أنه ممكن.
إسرائيليا كان الهجوم مباغتا ولم يكن أمرا ممكننا في تصور القيادات والنخب الفاعلة وإلى أبعد الحدود. الصحافي الإسرائيلي يؤاف يشخروف الذي يعمل في موقع "واينت"، كتب بعد بدء هجوم حماس بساعات: "الفشل الإسرائيلي، الاستخباراتي والعملياتي، يتردد صداه بطريقة لا يمكن تصورها. أولا، انتشار القوات على الحدود التي فشلت في منع تسلل العشرات من مقاتلي حماس، من عدة مناطق في وقت واحد، حيث لا يوجد أي وجود عسكري إسرائيلي تقريبا في المنطقة. بعد ساعات من التسلل، لم يكن هناك ما يكفي من القوات والجنود، الذين ربما تم إرسالهم إلى منازلهم لقضاء العطلة، تماما مثل يوم الغفران قبل 50 عاما… والفشل الاستخباراتي لا يقل خطورة. ورغم أن هناك تخوفا من التصعيد بسبب المظاهرات على السياج قبل نحو عشرة أيام، لكن منذ أن جددت إسرائيل إدخال العمال للعمل في إسرائيل، كان الشعور العام في إسرائيل بأن خطر التصعيد أصبح وراءنا. ولم يكن أحد يتخيل مثل هذا الإعلان للحرب وهذا الأداء (الناجح) لحماس. في الأيام التي سبقت ذلك، أرسلت حماس مئات السكان للتظاهر على السياج، في حين أجرت حركة الجهاد الإسلامي في الوقت نفسه (تمرينا) كبيرا بالقرب من السياج. وربما كانت خدعة استخباراتية. نعم، مثلما حدث قبل 50 عاما… وكان أصل المفاجأة هو المفهوم الذي ظل يردد منذ سنوات، منذ صفقة (تبادل الاسرى الفلسطيين بالاسير الاسرائيلي لدى "حماس") جلعاد شاليط، وحتى قبل ذلك، أن حماس: (أ)- ردع. (ب)- أولا وقبل كل شيء مهتمة بالحكم والاقتصاد وتصاريح العمل. أحدهم نام على الحراسة، أحدهم ظن أنها منظمة تريد المال وليس أكثر. ربما لم يتذكر أحد الأشخاص الذين على رأس حماس (أبو خالد- محمد ضيف. وأبو إبراهيم- يحيى السنوار). هناك من نسي هنا أن حماس تبقى حماس ولم تغير جلدها، بل هي ملتزمة بإطلاق سراح الأسرى". (يؤاف يشخروف ، موقع "واينت" 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023).
وقد لخص الناشط الفلسطيني ثابت أبو راس، في حديث له معنا، بعد ساعات من بدء هجوم حماس، الوضع في إسرائيل بقوله: "الهجوم الذي بادرت إليه حماس غير مسبوق؛ لأول مرة منذ عام 1948 استطاعت قوى عسكرية فلسطينية نقل المعركة إلى الداخل... الفوقية اليهودية والتعامل مع الفلسطينيين والتي تجلت في هذه الحكومة وخاصة في الأقصى، وجواره، وداخل السجون... لم يبق للفلسطينيين بدائل كثيرة".
2023: دخول قوات "حماس" إلى الأراضي الإسرائيلية صباح اليوم، شكل مفاجأة كبيرة ثالثة، لإسرائيل وللعالم وللعرب عموما، ولقيادة سلطة رام الله وفصائل منظمة التحرير، وغالبية النشطاء الفلسطينيين
إسرائيل المنغمسة في مناوشات داخلية بشأن "التغييرات القضائية" ومشاريع نتنياهو بتغييرات جدية في نظامها وترتيباتها الداخلية، ووجود معارضة جدية، تتظاهر ضده منذ عشرة أشهر، وسط تبجح نتنياهو بقراره القفز على المصالحة مع الفلسطينيين والذهاب إلى مصالحة أكبر وأشمل مع العرب، كما في قضايا الخلافات داخل الحكومة وقضايا داخلية أخرى، لم تحسب أن "حماس" قادرة على إحداث زلزال جدي، وعبور حدود هدنة 1949 والتوغل داخل إسرائيل وأخذ رهائن وقتل جنود ومدنيين والتمترس داخل مقرات عسكرية ومدنية إسرائيلية.
طبعا نتنياهو وحكومته والقيادات السياسية والعسكرية "المتفاجئة" بدأت في ترتيبات الرد العسكري وفي ترديد عبارات التهديد، والتي بدأ معسكر معارضي نتنياهو في التشكيك بجدواها لوحدها في ردع حماس والفلسطينيين. عوديد عتصيون، مستشار الأمن القومي السابق، وفي موقعه على "تويتر" يقول: "أي رد عسكري، مهما كان واسع النطاق، لن يعيد العجلة إلى الوراء ولن يفسر الحقيقة الحاسمة: حماس وجهت لإسرائيل ضربة تاريخية واستراتيجية ثقيلة... لقد استطاعت أن تقوم بهذه الخطوة الكبيرة، والتي سيتم تدريسها في المدارس العسكرية لسنوات عديدة قادمة، بسبب سياسات حكومة نتنياهو الحالية، وحكومات نتنياهو السابقة".
وطبعا، سوف تقوم إسرائيل وجيشها ومخابراتها والقوى الأمنية الأخرى بمحاولة الانتقام من هجوم حماس وتداعياته، إلا أنها لن تستطيع أن تمحو الآثار السياسية والنفسية لهذا الهجوم، وستكون له- كما لما سبقه من مفاجآت- تداعيات قصيرة المدى وبعيدة المدى.
من الصعب التكهن بالتداعيات بعيدة المدى، والتي وإن سارت على منوال الحالات السابقة نفسه، فإننا سنرى انقلابات سياسية جدية في الانتخابات القادمة أو التي تليها.
بالنسبة للتداعيات قصيرة المدى فإنها ستكون تعبيرا عن مشادات ومناوشات الفرقاء داخل الحكومة من جهة، وبين الحكومة ومعارضيها من جهة أخرى. وإعلان يائير لابيد رئيس المعارضة، مساء يوم هجوم حماس، بأنه على استعداد لدخول حكومة "ائتلاف وطني" يفتح إمكانية لتشكيل حكومة للتعامل مع المستجدات على أساس الاتفاق والتوازن بين قطبين، "يميني ووسط".
من المرجح، انه لن تكون هناك تغييرات في تركيبة الحكومة، لأن أي تغيير ستكون له تداعيات على الخلافات حول الانقلاب القضائي ومفاعيل المظاهرات وتوازنات القوة داخل المعارضة. ويتوقع ان يحاول نتنياهو استغلال الحدث الراهن لنقض المعارضة وبرنامجها والاستمرار في التشدد، داخليا وخارجيا. وشركاؤه في ذلك، المتدينون واليمين الفاشي وعصابات في الضفة والقدس والمدن المختلطة في الداخل. وقد بدأ متطرفون بالتحريض على الاعتداء على المواطنين الفلسطينيين، أصحاب المواطنة الإسرائيلية.
الجميع مطالبون بالتفكير والتحضير جديا، فما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول إسرائيليا لا يشبه ما بعده، وكذلك يجب أن يكون بالنسبة للفلسطينيين
فلسطينيا، هناك مطالب بحذر وجهوزية مدنية ووطنية لما ستقوم به حكومة إسرائيل من اعتداءات وخراب، في الجبهة الفلسطينية، وتغييرات جذرية في علاقات الفلسطينيين ببعضهم للصمود في وجه مخططات إسرائيل، وسط احتمال ان يحاول من يجلس على كرسي اتخاذ القرارات تنفيذها، بقوة وجاهزية أكثر من المرات السابقة. "حماس" وغزة لا تستطيعان إلا أن تكونا جزءا من ذلك، كذلك السلطة، والـ48، وقياداتهم.
ما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول إسرائيليا لا يشبه ما بعده، وكذلك يجب أن يكون بالنسبة للفلسطينيين، حسب مطالب فلسطينية.