يبدو أن حركة "حماس"، بمبادرتها مهاجمة المستوطنات الإسرائيلية (في غلاف غزة)، حسمت خيارها في شأن تحديدها لمكانة قطاع غزة، أو أخذها له، وفقا لأجندتها السياسية، لفرض ذاتها كقيادة للشعب الفلسطيني، على حساب حركة "فتح"، وأيضا لفرض ذاتها كالمتحكم بالورقة الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي، بعد أن أدارت تلك المنطقة، كسلطة أحادية، في العام2007، وهو تاريخ انقسام الكيان الفلسطيني.
المعنى إن "حماس" كشفت عن إنها كانت تعد قطاع غزة ليس كدولة مفترضة، وإنما كقاعدة للمقاومة، أو لتحرير فلسطين، على ما كشف محمد الضيف، في كلمته التي تحدث فيها عن اطلاق معركة "طوفان الأقصى"، في تحميل لذلك القطاع الصغير، ومساحته 360 كيلومتر مربع (2 بالمئة من مساحة فلسطين، و6 بالمئة من مساحة الضفة)، ويعيش فيه مليونا فلسطيني في ظروف صعبة وفي ظروف حصار مشدد، عبء تحرير فلسطين، أو دحر الاحتلال من الضفة.
على ذلك فإن ما يفترض ملاحظته هنا، أولا، إن تلك الحرب تختلف عن سابقاتها، كونها أتت بمبادرة من حركة "حماس". ثانيا، لأنها المرة الأولى التي يحدث فيها اقتحام بالمشاة لأراضي خارج الخط الأخضر، أي لإسرائيل ذاتها؛ فحتى "حزب الله" لم يفعل ذلك. ثالثا، لأنها تبدو تماما كأنها حرب بين جيشين (رغم التحفظ على إطلاق ذلك على مقاتلي "حماس").
ثمة عديد من الأسباب التي شجعت "حماس" على خوض تلك المواجهة الخطيرة، والتي من المبكر التكهن بنتائجها وتداعياتها على الطرفين، وتلك يكمن أهمها في الآتي:
أولا، شعور "حماس" بأنها في ضائقة إزاء شعبها، كمقاومة أو كسلطة، فهي بعد 16 عاما من السيطرة على غزة، لم تفلح في فرض ذاتها كسلطة تحتذى، أو كسلطة أفضل من سلطة "فتح" في الضفة، في علاقتها مع شعبها، كما لم تفلح في حماية الفلسطينيين في غزة من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والوحشية، فوق ذلك ثمة الحصار المشدد المفروض على القطاع، ما نجم عنه تفاقم حدة البطالة والفقر وفقدان الأمل، في منطقة قليلة الموارد، فاقم منها دفع أهالي غزة فاتورة باهظة نتيجة الحروب الإسرائيلية عليهم، والتي ذهب ضحيتها ألوف الفلسطينيين، وعشرات ألوف الجرحى، مع دمار هائل في البني التحتية والممتلكات.