بعد سنوات قليلة من صدور رواية "قلب الظلام" للروائي البريطاني جوزيف كونراد (1857 ـ 1924)، التي تعد واحدة من الأعمال الأدبية الرائدة في كشف "وحشية" الاستعمار وأثرها السلبي على البيئات البكر والثقافات المحلية للمستعمرات، ظهرت في مطالع القرن العشرين تقنية التصوير الملون لتكون بمثابة هدية ثمينة للمستعمرين، لتلميع صورتهم والقيام بحملة علاقات عامة بالألوان.
رواية "قلب الظلام"، التي صدرت للمرة الأولى عام 1899 تعاملت بجدية مع موضوعة الاستعمار وقدمت صورة مغايرة، حادة وواقعية عن مظالم الحقبة الكولونيالية، ولعل الفكرة الرئيسية لعمل كونراد هي أنه "ليس هناك فارق بين ما يسمى بالشعوب المتحضّرة (الأوروبيين البيض) وأولئك الذين وصفوا بالمتوحشين (سكان المستعمرات الأفريقية)، وقد أثارت الرواية تساؤلات هامة حول الإمبريالية والعنصرية، ومن هنا يمكن اعتبار الرواية مرشدا أدبيا لمعرفة نزعة الاستغلال لدى القوى الاستعمارية، وتعد كذلك مثالا ناجحا لفهم الآليات والإجراءات التي اتبعتها تلك القوى في سبيل تكريس تلك الصورة النمطية المعاكسة المتمثلة في أن هدف الاستعمار هو "التنمية وتحقيق الرخاء والازدهار لمجتمعات متخلفة".
وبهذا المعنى جاءت تقنية التصوير الملون، التي اعتبرت قفزة تكنولوجية هامة، بمعايير تلك المرحلة، كأدة طيعة ومرنة، قادرة على خلق انطباعات زائفة عن المستعمرات، وتقويض ما ذهب إليه كونراد والقلائل مثله، إذ تلقفت الإمبراطورية الألمانية، التي كانت تحتفظ بمستعمرات في أفريقيا، هذا الاختراع الجديد، وجنّدت عددا من المصورين من بينهم المصور الألماني روبرت لوماير (1879 - 1959 ) الذي كان له تأثير كبير في تشكيل صورة أفريقيا "الجميلة" في أذهان الألمان والأوروبيين عموما لفترة طويلة، كما جاء في الفيلم الوثائقي "التصوير العنصري بالألوان"، والذي عرضته محطة "دويتشه فيله" الألمانية.