عودة سادسة... مفاجأة من الأسد أذهلت كيسنجر
في 19 مايو/أيار، عاد كيسنجر ثانية إلى دمشق، وقال إنه قرر العودة إذا لم تكن هناك موافقة سورية. فناقشه الرئيس ثانية حول "خط الفصل". وبعد مناقشة استمرت حوالي ساعتين ووصلت المباحثات إلى الباب المغلق، قال: "أنا لا أريد تعطيل الاتفاق وأنا موافق على خط الفصل".
يقول خدام: "هنا ذُهل كيسنجر وفوجئ بالموقف وطلب أن يختلي بمستشاريه جانبا بضع دقائق، ومن المفاجأة أنه عندما توجه إلى طرف القاعة تعثر وكاد يسقط".
ثم استمرت المناقشات وتم بحث موضوع منطقة تخفيف القوات، وأصر الأسد على أن لا تزيد عن بضعة كيلومترات، ثم تم الاتفاق على أن يعود ثانية لمناقشة أكثر تفصيلا.
وبين 20 و28 مايو/أيار، تمت مناقشة اتفاق الفصل، وخلال هذه المناقشات التي جرت، توقفت المحادثات عدة مرات وكادت أن تفشل. ومن الأمور الهامة التي عرضت المناقشات للفشل موضوع التعهد بالسماح أو عدم السماح للقوات شبه العسكرية بالعمل. ودار هذا النقاش:
كيسنجر: أقترح بأن يتعهد الطرفان بالامتناع عن القيام بالأعمال العسكرية وشبه العسكرية.
الأسد: المقصود بشبه العسكرية الفلسطينيون، ونحن نرفض أن نمنعهم، ولا أن نلتزم عنهم، ولا أقبل بأن تتضمن الاتفاقية أي نص مماثل.
كيسنجر: لقد مضى علي قرابة شهر وأنا وزير خارجية أميركا أذهب وأجيء، فإذا لم توافقوا فإني مضطر للسفر.
الأسد: لو كنت مكانك لسافرت.
ويقول خدام: بالفعل، فإن وزير خارجية أميركا يجب أن لا يبقى شهرا خارج بلاده، وخرج كيسنجر مودعا الرئيس، وبعد قليل اتصل بمكتب الرئيس وطلب مقابلة قبل سفره، فاستقبله الرئيس، ووافق كيسنجر على وجهة نظرنا.
والنقطة الثانية التي كانت موضع خلاف هي موضوع مراقبي الأمم المتحدة، إذ أصر كيسنجر على أن تكون قوات الطوارئ الدولية، وأصر الأسد على أن يكون أولئك من مراقبي الأمم المتحدة. وتم الخلاف على عددهم، وفي النهاية وافق كيسنجر على وجهة نظر دمشق.
النقطة الثالثة، هي منطقة التخفيف وحجم القوات الموجودة في هذه المنطقة، إذ أصر كيسنجر على أن تكون 25 كيلومترا فرفض الأسد بحث ذلك رفضا قاطعا.
ويروي خدام: "على ما أذكر بعد انتهاء المباحثات في إحدى الجلسات بقيت أنا واللواء مصطفى طلاس وزير الدفاع، واللواء ناجي جميل نائب وزير الدفاع ورئيس القوات الجوية، واللواء عواد باغ، واللواء يوسف شكور، والعميد حكمت الشهابي رئيس شعبة المخابرات العسكرية، وناقشنا هذه النقطة، فقال اللواء مصطفى طلاس: ليس هناك مانع من أن نوافق، وأنا أستطيع استعادة هذه المسافة".
وحسب محضر الاجتماع، نظر خدام إلى طلاس وقال: "رغم أني لم أخدم في الجيش إلى أكثر من رتبة ملازم إلا أنه حسب معلوماتي أنت عاجز عن ذلك، لا تنس أنك من أجل ثلاثة كيلومترات في الجولان خسرت ألفا ومائتي دبابة، وإنني أعتقد من أجل 25 كيلومترا ستخسر كل قواتنا، يجب أن لا نناقش الأمور بمثل هذه الخفة ولا بهذه البساطة، ومهما كان الوضع يجب أن لا نقبل بهذه الفكرة لأنها تحقق لإسرائيل كل ما تتطلع إلى تحقيقه، فهي بالفعل بذلك تبعد قواتنا ونيراننا عن جميع المستعمرات الإسرائيلية". ورد الأسد: "ليس واردا أن نقبل بذلك".
في 28 مايو/أيار، تم التوصل إلى اتفاق الفصل والذي تُركت بعض التفاصيل فيه للمناقشة في جنيف وتم التوقيع عليه في جنيف بتاريخ 31 مايو/أيار عام 1974.
بموجب الاتفاق تمت استعادة الجيب المحتل في حرب أكتوبر/تشرين الأول، ومدينة القنيطرة ومسافة صغيرة.
ويقول خدام: "مما لا شك فيه كانت لهذا الاتفاق فوائد عسكرية كبيرة:
لقد تم تخفيف الضغط عن دمشق وكان العدو بعيدا عنها مسافة لا تزيد على خمسين كيلومترا.
تمت استعادة أرض محتلة.
وجود قواتنا بالقرب من خطوط الخامس من يونيو/حزيران أفضل بكثير من وجودها قريبة من ثلاثين كيلومترا عن دمشق، عندما تُتاح لنا الفرصة للقيام بعمليات عسكرية لتحرير الأرض، ولم يكن بإمكاننا تحقيق مكاسب أكبر لأننا كنا نفاوض ولم تكن هناك أوراق بين أيدينا سوى القوات التي كانت تشترك بحرب استنزاف مع العدو".
ويضيف: "أما سلاح العرب والجبهة المصرية فقد أصبحا خارج عملية المواجهة السياسية والعسكرية والاقتصادية. ولا شك أن توقيع هذا الاتفاق في ظروف الاشتباكات كان له معنى كبير. إن توقيع اتفاق الفصل كان نهاية لمرحلة في العمل السياسي اتسمت بكثرة تشعباتها ومداخلاتها، مرحلة اختبار لقدرتنا في الصمود، ولقدرتنا على تحمل الأعباء. لقد ناورنا أقصى ما نستطيع في ساحة ضيقة للمناورة للوصول إلى أفضل الممكن، ولا شك أن التوقيع على اتفاق فصل القوات قد أنهى مرحلة".