خليفة مكارثي... و"سد الفجوتين" في أميركاhttps://www.majalla.com/node/301346/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D9%85%D9%83%D8%A7%D8%B1%D8%AB%D9%8A-%D9%88%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AC%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7
في خطوة غير مسبوقة، صوّت مجلس النواب الأميركي لصالح عزل رئيس المجلس كيفن مكارثي من منصبه بأغلبية بسيطة بلغت 216 صوتا مؤيدا مقابل معارضة 210 أصوات.
وجاء التصويت في مجلس النواب عقب اتفاق توصل إليه رئيس مجلس النواب مكارثي في اللحظة الأخيرة لتجنب إغلاق الحكومة. وهذه هي المرة الأولى في التاريخ الأميركي التي يُعزل فيها رئيس مجلس النواب قسرا، بدلا من تنحيه عن المنصب.
وتكشف الإطاحة بمكارثي من مقعد رئيس البرلمان عن الانقسام السياسي العميق في مجلس النواب الأميركي والولايات المتحدة بشكل عام، وخاصة الانقسام المتزايد بين المعتدلين والمتطرفين اليمينيين في صفوف الحزب الجمهوري، والذي يهدد في نهاية المطاف التوافق الداخلي في الحزب حول القضايا الرئيسة.
ومنذ فوزه بالتصويت لرئاسة مجلس النواب في يناير/كانون الثاني، واجه مكارثي معارضة شديدة داخل الحزب الجمهوري وخارجه، بل إن وصوله إلى مقعد رئيس مجلس النواب كان مثيرا للجدل بين ممثلي الجمهوريين اليمينيين المتطرفين مثل النائب مات غيتس والنائبة مارجوري تايلور-غرين، بينما شكك المشرعون الديمقراطيون في موقف مكارثي المتذبذب بشأن دور ترمب في اقتحام مبنى الكونغرس (الكابيتول هيل) في السادس من يناير/كانون الثاني 2021.
نظرا لعدم وجود توافق بين الأعضاء ونتيجة للمناورات الإجرائية التي مارسها بعض المشرعين، استغرق وصول مكارثي إلى المنصب أربعة أيام وتطلب خمس عشرة جولة من التصويت لاتخاذ القرار
ونظرا لعدم وجود توافق بين الأعضاء ونتيجة للمناورات الإجرائية التي مارسها بعض المشرعين من أمثال النائب غيتس لفرض إجراءات تصويت إضافية، استغرق وصول مكارثي إلى المنصب أربعة أيام وتطلب خمس عشرة جولة من التصويت لاتخاذ القرار بين أعضاء الكونغرس رقم 118.
وفي الأشهر التي تلت ذلك، استمرت انتقادات أعضاء مجلس النواب لمكارثي، وخاصة ممثلي اليمين المتطرف، بشأن صفقات أجراها مع الحزب الآخر (الديمقراطي) والتي اعتبروها تتضمن تنازلات كبيرة للطرف الآخر. وكان الاتفاق الذي أبرمه رئيس مجلس النواب مكارثي مع الديمقراطيين وإدارة بايدن بشأن تعليق سقف الديون حتى عام 2025 ــ وهو الاتفاق الذي اعتبره بعض أعضاء الحزب الجمهوري إسرافا في الإنفاق الفيدرالي– إحدى القضايا الخلافية. غير أن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت محاولة مكارثي الأخيرة تفادي إغلاق الحكومة في حال عجز المشرعون من مجلسَي الكونغرس الأميركي عن التوصل إلى الإجماع بشأن الإنفاق الفيدرالي قبل بداية السنة المالية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول؛ فقد أبرم مكارثي اتفاق تمويل مؤقت بين الحزبين لتفادي إغلاق محتمل للحكومة، حيث سيضطر الموظفون الفيدراليون إلى أخذ إجازات وساعات غير مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أسابيع أو أكثر.
هذا الاتفاق لم يكن مرضيا لبعض المشرعين، على الرغم من كونه ساعد على تجنب إغلاق الحكومة. ويستمر الاتفاق المؤقت حتى 17 نوفمبر/تشرين الثاني ويشمل تمويلا للكوارث الطبيعية، إلا أنه تعرض لانتقادات الديمقراطيين بسبب إغفاله لمساعدات بقيمة 24 مليار دولار أرسلتها أميركا إلى أوكرانيا بناء على طلب إدارة بايدن. ومن ناحية أخرى، انتقد الجمهوريون الاتفاق بسبب عدم تضمينه لمطالباتهم بتنفيذ تخفيضات حادة على النفقات. وبينما لم يكتسب هذا الاتفاق شعبية كبيرة، فإن عددا قليلا من المشرعين– إلى جانب النائب مات غيتس– سعوا للإطاحة برئيس مجلس النواب. ولطالما عارض النائب غيتس استمرار مكارثي في منصبه، وهدد بإقصائه بعد وقت قصير من التصويت على الصفقة قصيرة الأجل. وعلى الرغم من أن البعض شكك في إمكان غيتس متابعة حملته ضد مكارثي، إلا أن النائب الفلوريدي استطاع تنفيذ تهديداته وقام بفرض تصويت بشأن إخلاء منصب رئيس المجلس، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى عزل مكارثي.
في أعقاب إقالة مكارثي، تبرز قضايا الشلل السياسي والاقتتال الداخلي بين المشرعين، وخاصة داخل الحزب الجمهوري، بشكل واضح
وفي أعقاب إقالة مكارثي، تبرز قضايا الشلل السياسي والاقتتال الداخلي بين المشرعين، وخاصة داخل الحزب الجمهوري، بشكل واضح. ولا ينبغي تجاهل أهمية رئيس مجلس النواب عندما يتعلق الأمر بدفع التشريعات- خاصة في المشهد السياسي المعقد في الولايات المتحدة- إذ يعمل رئيس مجلس النواب كوسيط رئيس وموجه وواضع لجدول الأعمال ووسيط في النزاعات بين الأحزاب وداخلها، وهي مسألة لا غنى عنها لدفع التشريعات. وعلى الرغم من تبوؤ النائب باتريك ماكهنري من ولاية كارولينا الشمالية لمنصب الرئيس المؤقت للمجلس حتى انتخاب رئيس جديد– بترشيح من مكارثي– إلا أن قدرته على التدخل وتقديم التشريعات إلى المجلس محدودة.
أشار النائبان روي نيلز ومارجوري تايلور-غرين إلى نيتهما ترشيح الرئيس السابق دونالد ترمب كمرشح لمنصب رئيس مجلس النواب
بالإضافة إلى ذلك، لا يعرف حتى الآن من الذي سيخلف مكارثي؛ فمنذ إخلاء مقعد رئيس البرلمان، برز عدد كبير من المرشحين على الساحة. وأشار كل من النائب ستيف سكاليز وجيم غوردن وكيفن هيرن وتوم هيمر إلى نيتهم خوض الانتخابات، في حين أشار النائبان روي نيلز ومارجوري تايلور-غرين إلى نيتهما ترشيح الرئيس السابق دونالد ترمب كمرشح لمنصب رئيس مجلس النواب (على الرغم من أن الرؤساء السابقين لمجلس النواب كانوا تاريخيا نوابا في الكونغرس، فإن من الممكن تقنيا لمسؤول غير منتخب أن يشغل مقعد رئيس مجلس النواب). ومع ذلك، ونظرا لأن الفارق الذي يمتلكه الجمهوريون هو أربعة مقاعد فقط، ونتيجة لاستمرار النزاعات الداخلية المثيرة للانقسامات، سيتعين على خليفة مكارثي أن يعمل على سد فجوتين سياسيتين متناميتين: واحدة بين المحافظين المعتدلين واليمينيين المتطرفين، والأخرى بين الجمهوريين والديمقراطيين. ومن المرجح أن يكون الطريق لاختيار رئيس مجلس النواب القادم وعرا، شأنه شأن انتخاب مكارثي في يناير/كانون الثاني– إن لم يكن أكثر- مما سيكشف عن الانقسامات العميقة وانعدام الثقة داخل المشهد السياسي الأميركي.