خالد الجبيلي: أبي ملهمي وتأثرت بجبرا إبراهيم جبرا

الترجمة الأدبية شغفه الأول

 Barry Falls
Barry Falls

خالد الجبيلي: أبي ملهمي وتأثرت بجبرا إبراهيم جبرا

نيويورك: فرض المترجم السوري خالد الجبيلي حضوره الخاص عبر عشرات الترجمات الأدبية التي تحتلّ الرواية الشطر الأعظم منها. تعدّ الترجمة شغفه الأكبر منذ نشأته الأولى في بيت محبّ للغات والآداب. أما بداية تجاربه في عالم الترجمة فكانت مع "مزرعة الحيوان" لجوروج أورويل والتي أدرك من خلالها أنه لا يريد أن يكون سوى مترجم. هنا حوار معه.

  • متى ولدت وكيف كانت البدايات مع الأدب؟ وهل كانت لديك محاولات في كتابة تص أدبي؟

ولدت في مدينة حلب بسوريا عام 1954. كان أبي يجيد عدة لغات، وكان مثقفا شغوفا بالقراءة، ويبدو أن هذه العدوى قد انتقلت إليَّ. كان يعمل مترجما ومدرسا للغتين الإنكليزية والفرنسية في مدينة حلب، وأنا أراقبه دائما بدهشة كبيرة وهو يترجم، كما أعجبت كثيرا بخطه وهو يكتب، سواء بالعربية أم بالإنكليزية. لعل حبي لتعلّم اللغة بدأ منذ أن كنت صغيرا، عندما بدأ أبي يعلّمني اللغة الفرنسية.

وعندما انتقلت إلى المدرسة الإعدادية، وقع الاختيار (بالقرعة في ذلك الوقت) لدراسة اللغة الإنكليزية. كان شغفي باللغة الإنكليزية شديدا، فالتحقت بقسم اللغة الإنكليزية وآدابها في جامعة حلب. ولم أفكر بشيء إلاّ أن أصبح مترجما، وازداد شغفي بالترجمة خلال دراستي اللغة الإنكليزية وآدابها. أحببت الأدب كثيرا وقرأت الكثير من الأعمال الأدبية، وكانت لي محاولات عديدة في كتابة القصة، لكنها لم تكتمل، ووجدت ضالتي في الترجمة لأعوّض فيها عن الكتابة بنفسي.

  • ماذا يعني امتلاكك لغة ثانية، وكيف كانت بدايات علاقتك مع اللغة الإنكليزية، وهل شكلت بالنسبة لك مدخلا للأدب الإنكليزي والأدب العالمي؟

إن امتلاكي لغة ثانية أو ثالثة يعني أنني أصبحت أسبح في عوالم أخرى كانت غامضة ومستعصية عليَّ. بدأت أدرك أن الإطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى، وقراءة آدابها من شأنهما توسيع مدارك المرء، وجعله يعيش في عوالم وأفكار لم يكن يعرفها، ويُخرجاه من دائرة ثقافته، ويفتحان له آفاقا لا حدود لها.

ما دفعني إلى ترجمة بعض الأعمال الأدبية من لغة وسيطة من خلال اللغة الإنكليزية هو إعجابي بذلك العمل وأهميته وعدم قيام مترجم آخر بترجمته، ولا أعتبر ذلك خيانة للنص الأصلي المكتوب بلغة أخرى 

وكانت أول علاقة لي بالترجمة عندما كنت في السنة الثانية في الجامعة، عندما قرأت رواية "مزرعة الحيوان" لجورج أورويل التي وجدتها في مكتبة أبي شعرت حينذاك برغبة شديدة في ترجمتها، وحينها تساءلت دائما كيف يمكن أن تبدو لي عندما أقرأها بترجمتي إلى اللغة العربية، وهل باستطاعتي أن أنقل المعنى الأصلي. فالأمر بالنسبة إليّ كان بمثابة تحد، فترجمتها وطبعتها بنفسي على الآلة الكاتبة. كانت تلك أول رواية أترجمها، وأبدى عدد من أساتذة اللغة العربية حينذاك إعجابهم بلغتها وسلاستها. فشكلت تلك الرواية المدخل الرئيسي الذي شجعني على أن أمضي في ترجمة أعمال أخرى، ومنذ ذلك الوقت قررت أنني لن أكون إلاّ مترجما.

  • أثناء اشتغالك على ترجمة أول نص متكامل، كيف وجدت العلاقة بين لغة الأم من حيث النحو وتركيب الجملة وآليات السرد مع اللغة التي تترجم منها؟

أثناء قيامي بترجمة أول عمل أدبي الذي كان بمثابة تحدٍ بالنسبة لي، وجدت علاقة جميلة، لكنها صعبة، في عملية نقل الأفكار من لغة النص الأصلي التي تختلف اختلافا تاما عن اللغة العربية في النحو وتركيب الجملة وآليات السرد وما إلى ذلك. فهي عملية ممتعة وشائكة بالنسبة لي، تطلبت الانكباب على القراءة المكثفة للأدب العربي كي أتمكّن من امتلاك الأدوات اللغوية اللازمة.

  • هل كان لك نموذج في الترجمة اعتبرته دليلا وملهما أثر على مسيرتك كمترجم للرواية؟

يمكنني أن أقول إن أبي كان أول مشجّع وملهم لي لكي أكون مترجما، أما بالنسبة للترجمة الأدبية، أستطيع القول إنه كان للكاتب والمترجم العظيم جبرا إبراهيم جبرا تأثيرا كبيرا عليَّ في مسيرتي كمترجم أدبي.

  • ماذا أضاف عملك كمترجم تحريري في منظمة الأمم المتحدة على انشغالك في ترجمة الأعمال الروائية؟

من المؤكد أن عملي في دائرة الترجمة العربية في الأمم المتحدة وقبلها في المركز الدولي للبحوث الزراعية، علمني المثابرة وتوخي الدقة في الترجمة، ومحاولة السعي إلى الكمال في ترجمة النصوص، وساهم في توسيع مداركي من خلال ترجمة موضوعات لا حصر لها، لا يمكن لأي مترجم خارج المنظومة أن يطلع عليها ويترجمها. أما من ناحية الترجمة الأدبية الإبداعية، فقد بقي مقدار استفادتي محدودا، لأن طبيعة العملين تختلف اختلافا كبيرا.

  • يلاحظ أن بعض ترجماتك تستخدم اللغة الإنكليزية كوسيط لترجمة عمل من لغات أخرى كالألمانية والإسبانية واليابانية، هل تعتقد أن هذه الترجمات خيانة لنص مكتوب بلغة لا تجيدها، حيث الاختلاف في النحو والأسلوب وبناء الجملة، والبنية الثقافية؟

إن ما دفعني إلى ترجمة بعض الأعمال الأدبية من لغة وسيطة من خلال اللغة الإنكليزية هو إعجابي بذلك العمل وأهميته وعدم قيام مترجم آخر بترجمته، ولا أعتبر ذلك خيانة للنص الأصلي المكتوب بلغة أخرى وإنما مساهمة هامة في تعريف القارئ العربي على نص لم يقم مترجم آخر بترجمته من لغته الأصلية.

ولديّ في هذا المجال تجربتان مهمّتان: فقد طلب مني الكاتب الألماني من أصل سوري رفيق شامي ترجمة روايته المهمة الضخمة "الجانب المظلم للحبّ" التي كتبها أصلا باللغة الألمانية، وروايته "صوفيا- بداية كلّ الحكايات"، وأخيرا روايته الثالثة "سرّ الخطاط الدفين" عن اللغة الإنكليزية، لكنه قام بمراجعتها وتدقيقها على الأصل باللغة الألمانية، وقد أثنى الكاتب على الترجمة كثيرا.

خالد الجبيلي

لذلك يمكن القول إن هذه الأعمال تُرجمت عن لغتها الأصلية بموافقة الكاتب ومباركته، وليست مجرد ترجمة من لغة وسيطة. وكان الصديق الأديب صموئيل شمعون، مؤسس منشورات "كيكا" ومجلة "بانيبال"، قد طلب مني ترجمة رواية «ستالين الطيب» للكاتب الروسي فيكتور إيروفييف الذي كتبها باللغة الروسية، لكن الكاتب الروسي الذي يجيد اللغة الإنكليزية أيضا قام بمراجعة ترجمة روايته إلى اللغة الإنكليزية ومراجعتها، ووافق على أن أقوم بترجمة روايته من اللغة الإنكليزية.

المترجم كاتب ثان يبدع نصا جديدا في لغة وثقافة جديدتين، على الرغم من تقيّده التام بنص المؤلف الأصلي، والتزامه بكل ما يضم من أفكار وأساليب


  • خلال رحلتك الطويلة مع الترجمة التي تجاوزت ترجمة أكثر من 75 عملا أدبيا، كيف تنظر إلى الترجمة وهل لديك فلسفة خاصة لهذه العملية، وهل تعتبرها مثل "السفر في رحاب الإنسانية" كما يقول الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني؟

من خلال مسيرتي الطويلة في الترجمة في شتى الميادين والموضوعات، أرى أن الترجمة الأدبية أكثرها صعوبة ومتعة، لأنها تتسم بالإبداع، وتنطوي على تراكيب وأنساق وبنى لغوية وفكرية عديدة. وأعتقد أن المترجم كاتب ثان يبدع نصا جديدا في لغة وثقافة جديدتين، على الرغم من تقيّده التام بنص المؤلف الأصلي، والتزامه بكل ما يضم من أفكار وأساليب، مما يجعل عمله شاقا ومضنيا، حتى يكاد يكون مستحيلا أحيانا.

إن إخراج نص من منظومته اللغوية ونقله إلى منظومة لغوية ثانية مختلفان تماما من حيث البيئة والثقافة والمفردات والمفاهيم، وهو عمل بالغ الصعوبة. إنه إماتة للنص الأصلي ثم إحياؤه بلغة وثقافة مغايرتين تماما للنص الأصلي، وإذا استطاع المترجم أن ينتج ترجمة مطابقة للنص الأصلي من حيث المعنى والأسلوب والتركيب، وتمكن من نقل الأفكار التي يعبّر عنها الكاتب الأصلي، يكون قد أنجز عملا رائعا.

  • يلاحظ أن أغلب ترجماتك انصبت على ترجمة الرواية، وقدمت أعمالا مهمة، لماذا الرواية وليس النقد الأدبي أو الشعر أو الأنواع الأخرى من الأدب؟

أرى نفسي في الرواية التي كنت أعتبرها هروبا وترويحا للنفس من عملي الطويل في الترجمة المهنية والفنية، وقد ترجمت أعمالا شعرية محدودة لها علاقة بالأدب الصوفي وهي "الموسيقى الخفية" و "الروح لا تمل من العاشقين" و "العشق الإلهي". ولا يوجد لديَّ اهتمام بترجمة الأنواع الأدبية الأخرى مثل النقد الأدبي.

font change

مقالات ذات صلة