أدى اندلاع القتال بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى دمار غير مسبوق في العاصمة السودانية الخرطوم وبقية أنحاء البلاد. بالإضافة إلى الكلفة البشرية التي شملت مئات القتلى من المدنيين وآلاف الجرحى وملايين المشردين من النازحين واللاجئين، بالإضافة إلى الناجيات والناجين من الانتهاكات والتي شملت الاغتصاب والاعتداءات الجسدية والتعذيب والاعتقال لمجرد الاشتباه وعلى أساس الهوية في ظروف قاسية ومهينة.
كما وقعت مذابح بسبب الانتماء الإثني الذي ارتكبته ميليشيا "قوات الدعم السريع" في دارفور، وبالأخص في ولاية غرب دارفور. في المحصلة أصبح السودان من أكبر دول العالم من حيث عدد اللاجئين والنازحين الذين تجاوزوا 7 ملايين سوداني، تشرد 5.4 مليون منهم بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان الماضي.
وقد تعرض سكان العاصمة الخرطوم التي أصبحت مدينة أشباح بعد أن نزح عنها أكثر من ثلثي سكانها، لعملية نهب واسعة النطاق على يد "الدعم السريع". واقتحم أفراد الميليشيا البيوت المغلقة التي غادرها أهلها ونهبوا ممتلكاتهم. وفي بعض الأحيان تم اقتحام البيوت في وجود أصحابها ونهبهم تحت تهديد السلاح أو إجبارهم على الرحيل. وأصبحت قصص احتلال البيوت بواسطة أفراد الميليشيا والإقامة فيها من الحكايات المعتادة عن مشاهد الحرب في الخرطوم، وهي مشاهد لم يستح أفراد الميليشيا من تصوير مقاطع الفيديو وبثها على وسائل التواصل الاجتماعي للمفاخرة بإقامتهم فيها، وتهديد ملاكها الأصليين بأنهم لن يروها مرة أخرى لأنهم لن يخرجوا منها.
وقد وجد البسطاء من جنود الميليشيا المأجورين، الذين لا يعرفون لماذا يقاتلون حقا، مبررات نهبهم لممتلكات الناس في تدليس المستشار السياسي للميليشيا يوسف عزت، عن إنهاء دولة 1956، وشعارات عضو مجلس السيادة السابق محمد حسن التعايشي عن إنهاء الاختلالات التاريخية في تكوين الدولة السودانية، وأوراق وزير العدل السابق نصر الدين عبد الباري عن نظم الحكم والإدارة التي يتم تداولها في مؤتمرات حشد الدعم السياسي للميليشيا، أو شعارات بناء الديمقراطية واستعادة الحكم المدني التي يتم رفعها في سعي الميليشيا لبناء سردية الواقع البديل، التي تهدف إلى إرغام الناس على إنكار ما تراه عيونهم ويعايشونه بأنفسهم، والعيش في الواقع المتخيل، الذي يمثل فيه حميدتي وجيشه الخاص أسطورة بطل الخير والعدل والسلام.
ومن أكبر الآثار السالبة التي تسببت فيها الحرب، والتي ستستمر تداعياتها لفترة طويلة، الضرر الاقتصادي الذي وقع على البلاد؛ فبالإضافة إلى الخسائر المادية المباشرة، نتيجة دمار البنية التحتية، ودمار المباني والمنشآت التجارية والصناعية والسكنية، هناك أيضا الضرر الذي وقع على الاقتصاد الوطني الذي كان من المأمول أن يمضي في رحلة تعافٍ صعبة قطعها انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ثم دمرها بالكامل اندلاع الحرب في 2023.
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، تآمر الجنرالان، قبل أن يحتربا فيما بينهما على غنيمة مؤامرتهما، لإنهاء المرحلة الانتقالية والانقلاب على حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك. قطع هذا الانقلاب حينها مسار البلاد للتخلص من الديون التي كانت قد أثقلت كاهلها لعقود طويلة، عبر برنامج إعفاء ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (Heavily Indebted Poor Countries-HIPC). وكانت الحكومة المدنية الانتقالية قد شرعت في تنفيذ برنامج إصلاحي جريء وقاس، استهدف الاستقرار الاقتصادي من خلال توحيد سعر الصرف، وخفض عجز الموازنة من خلال إلغاء الدعم السلعي لخفض التضخم مع تنفيذ برنامج دعم اجتماعي للأسر الفقيرة المتضررة من الإصلاحات، وزيادة الجهود لدعم المواسم الزراعية لزيادة الإنتاج.
ولاقت الحكومة حينها الكثير من السخط الاجتماعي العام بسبب إجراءات التقشف التي تطلبها تنفيذ هذا البرنامج. ولكن ثماره بدأت في الظهور مع استقرار سعر الصرف بشكل كبير، على ارتفاعه. وكانت زيادة مرتبات القطاع العام بشكل كبير قد ساهمت في الحد من آثار إجراءات التقشف على المواطنين وإن كانت لم تنهها بشكل كامل.