اللجوء والشتات الفلسطيني لا يحملان صفة المفرد فقط، بل الجمع كذلك، ولكنهما مختلفان بعض الشيء؛ فاللجوء يضم كل من أبعدوا عن فلسطين قسرا ونتيجة لسياسات التطهير العرقي التي مارستها إسرائيل في فلسطين. والشتات قد يكون جزءا من اللجوء، لكنه يتجاوزه. فهم كذلك، يعني عموم الفلسطينيين الذين انتقلوا لدول العالم وقاراته، كلاجئين مضطرين، أو كوافدين للدراسة أو العمل أو لجمع شمل عائلي، أو لتحسين فرص عيش أفضل، فهؤلاء كلهم أتوا هربا من أنظمة التسلط العربية، أو من مناطق الـ48 أو من غزة أو الضفة أو القدس.
ومع أن ظروفهم مختلفة جدا، وسبل عيشهم متنوعة، إلا أن غالبيتهم، وخصوصا بعد استقرارهم، عاودوا بناء الحنين لفلسطين ونشطوا تدريجيا في الدفاع عنها وعن قضاياها، وكلهم، على ما أظن يحلمون ويحملون فكرة زيارة فلسطين ويسعون إلى ذلك بتفاوت وحسب الفرص والإمكانيات، ويفتشون عن أقارب لهم في الجليل أو الخليل أو نابلس أو القدس، ويتواصلون ويرتبون لزياراتهم وفي قلبهم الحنين إلى فلسطين وأهلها.
كان نصيبي ونصيب عائلتي في هذا من جملة ما حدث مع الكثيرين. أقارب وأصدقاء قدامى وجدد، هُجروا هم أو أهاليهم خلال النكبة، يتواصلون ليزوروا فلسطين التي غرست في مخيلاتهم داخل مخيمات اللجوء أو في مخيمات التدريب، التي أقامتها منظمات فلسطينية في بلدان اللجوء. لا أريد أن أعدد؛ لأن القائمة طويلة وتمتد لحوالي ثلاثة عقود، إلا أنني أعدت التفكير فيها كلها، والحنين لها، خلال الأسابيع الأخيرة، أثناء زيارة الصديق ماجد كيالي لنا.
ماجد كيالي الذي ولد في حلب لأبوين هُجرا إبان النكبة من اللد، ونشط سياسيا في حركة "فتح"، وبعدها سكن في عاصمة اللجوء مخيم اليرموك، وتركه ليسكن مع عائلته في "قرى الأسد" بين دمشق وبيروت، ولاحقا غادر سوريا، بسبب نظامها القمعي، إلى الولايات المتحدة، ومن ثم إلى إسطنبول ثم سكرامنتو (كاليفورنيا) ثم برلين، كأن لا مكان له، بعد أن فقد مكانه الأول والثاني (في فلسطين وسوريا).
لكنه بالنسبة لي صديق تعرفت إليه رويدا رويدا منذ حوالي عقدين، وتشاركنا في صياغة بعض البيانات السياسية، أو التوقيع على أخرى، كما وجدته مثابرا على مواقفه النقدية من السياسة الفلسطينية أولا، والأنظمة العربية القمعية ثانيا، كما تبدت في هموم الفلسطينيين الملاحقين وكوارث السوريين، الذين طردهم نظام البعث من وطنهم، في نكبة، لا تقل هولا عن نكبتنا كفلسطينيين، بل تزيد عليها بدلالة فعل نظام سوريا ذلك، ضد شعبه، بوحشية تقارب النازية في أفعالها، بادعاء الدفاع عن البلد، بلد الأسد، لا بلد السوريين. وفي مرحلة متأخرة توطدت علاقتنا من خلال التفاعل مع مبادرته لإقامة "ملتقى فلسطين" الذي أضحى تدريجيا منصة اللقاء الأهم والأنشط بين عموم النشطاء والمثقفين الفلسطينيين، وبغير أن يكون مقتصرا على فئة جغرافية أو سكانية محددة منهم.