من المنتظر ان يُدخل رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد تعديلات على القانون الأساسي للمصرف المركزي من جهة والقانون المتعلق بقطاع المصارف من جهة أخرى، في سياق "حرب التحرير الوطني"، مثلما تسمّيها السلطات القائمة، التي تقول إن المحاسبة هي القاعدة التي ترتكز عليها والتي لا يُستثنى منها أحد. الواضح أن مدى هذه القاعدة بلغ عرين "أصحاب الامتيازات" الذين عرفوا كيف يمزجون بين تحقيق الأرباح على حساب الدولة والإفلات الدائم من العقاب. ما يحدث منذ فترة وُصف بالزلزال الذي ضرب منظومة المال والأعمال في البلاد.
عاشت الساحة المصرفية والمالية منذ نهاية شهر يوليو/تموز الماضي على وقع تطورات يمكن تصنيفها بغير المسبوقة، تمثّلت في إصدار قرارات منع السفر وبطاقات إيداع في السجن شملت رجال أعمال على غرار حسين الدغري، أحد اهم المساهمين في رأس مال مصرف الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة (بنسبة 39 في المئة) بتهمة تبييض الأموال، كما شملت كوادر مصرفية أبرزها أحمد رجيبة، الرئيس والمدير العام السابق لبنك الإسكان (عمومي) الموقوف في قضية متشعّبة تتعلق بسوء تصرف ومنح قروض بلا ضمانات كافية، علاوة على إخلالات جسيمة في التسيير.
أحمد رجيبة "صديق الحكومات" مثلما يُلقَّب، باعتباره حافظ على منصبه طوال سنوات وصمد على الرغم من خطورة ما كشف عنه تقرير محكمة المحاسبات، وهي أهم الأجهزة الرقابية وأكثرها صدقية في تونس، عن فترة إشرافه على هذا المصرف (2013 حتى 2019)، لا بل عُيّن بعد ذلك رئيسا ومديرا عاما لمصرف خاص قبل أن يُقال منه نهاية يونيو/حزيران 2021.
هذه الملفات فتحت النقاش العام مجددا حول "الفضائح المالية والفساد ونفوذ المصارف" لثقل أسماء الموقوفين وصفاتهم، الذين لا يزالون يعامَلون طبعا على قاعدة "المتّهم بريء حتى تثبت إدانته"، خصوصا بعد الزيارات الميدانية الأخيرة للرئيس قيس سعيد إلى مقرات المصرف المركزي والمصارف العمومية، وتلميحه إلى وجود توجه رئاسي نحو إقرار تعديلات ستشمل المصرف المركزي والمصارف التي تحوّلت إلى أكبر مقرضي الدولة داخليا (أكثر من 20 مليار دينار، أي نحو 6 مليارات دولار) حتى شهر يوليو/تموز 2023.