يتردّد في المدونات الثقافيّة العراقية تعبير "أدب/ فن الشباب" عن كل أدب أو فن يكتبه أو يمارسه جيل جديد يظهر في المشهد الثقافيّ. قد تبدو التسمية، ظاهريا، بريئة، لأغراض التوصيف وتسهيل الدلالة والإشارة، نقديا وصحافيا. فمن يكتب من هؤلاء "الغرباء الجدد"هم شبّان حقا، لكن بعد مرور فترة كافية من الوقت، يدرك هؤلاء الغرباء أنفسهم، أن التسمية كانت خدعة، سورا براقا جميلا من الخارج، لكنه في الحقيقة، سجن سيظلون فيه بقية حياتهم.
في الدرس النقديّ العراقيّ، وفي أروقة الاتحادات الأدبية والنقابات الفنيّة وهيئات التحرير والمقاهي والشوارع الثقافية، يعرف أدب الشباب على أنه نتاج يكتبه غِررة، تجربتهم لم تكتمل بعد، خبرتهم ناقصة، وأدواتهم محدودة. إنهم شباب! لذا فأي تعامل جادٍّ مع نتاجهم أمر غير وارد البتة.
الأسوأ أن جيل الشباب هذا، وبطريقة خاصّة، يظل شابا إلى الأبد. تتجمّد في عروقهم الدماء ويتخثّر الزمان فلا يكبرون وإن لاح الشيب في مفارقهم، وصار لهم أبناء يطاولونهم قامة. يمكنك ببساطة أن تلحظ كاتبا "شابا" - بتصنيف آباء الثقافة - وهو يناهز الخمسين عاما. حصر توصيف النتاج الجديد بـ"الشبابي" بما تحمله الكلمة من حمولة للطيش والحماسة الزائدة والتهور، يساهم في تجميد هذا النتاج في قالبٍ حدودُه معروفة مسبقا. فلايمكن، تاليا، أخذ نتاجهم على محمل جد، وقراءته كما يستحق، ومقارنته مع ما سبقه من تجارب لأجيال سابقة. كما لا يمكن افتراض - مجرد افتراض - أن كاتبا شابا يعيش بيننا اليوم يقدم تجربة أكثر نضجا وحداثة وابتكارا من تجارب ظهرت في زمن الرواد مع نهايات أربعينات القرن الماضي صعودا. إنه نوع من عبادة الماضي وتحويله إلى مقدّس لا يسمح بمناقشته.
"أدب الشباب" إذن، طريقة في التمييز والقتل الرمزي. نوع من التجميع والتكديس ثم الإسقاط في هاويات الإهمال والنسيان. وما يقال عن أدب الشباب شعرا ونقدا وقصة ورواية، يصلح عن "فن الشباب" من تشكيل وعزف وتمثيل وإخراج، وقس على ذلك ما شئت. هذا التصنيف يستدعي، في المقابل، مواجهة مماثلة من جيل الكتّاب الشباب الذين يعبّرون، غير مرة، عن خيبة أملهم، بل يأسهم، ممّا يسمى بالوسط الأدبي أو الفنيّ. مواجهات متكرّرة شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي بين المسيطرين على "الزعامة الأدبية" شهرة أو منصبا ثقافيا أو تكريسا وبين كتّاب ضاقوا ذرعا بالنظر إليهم كـ"صبيان أدب" والحكم على مشاريعهم بالتجاهل الجمعي المتطامن.