"أين يقع رأس فرانز كافكا؟"، شيء من الفكاهة السوداء يتسلل إلى ذلك السؤال العبثي. رأسه في قبره طبعا. غير أن كافكا ليس إنسانا عاديا لكي يبقى رأسه في قبره. رأسه في الكتب التي ألّفها وتُرجمت من الألمانية إلى لغات العالم كلها. رأسه أيضا في الشخصيات التي اخترعها وفي الأخص غريغوري سامسا في روايته "المسخ"، و"ك" في روايته "المحاكمة" أو "القضية". ولكن سيكون مؤلما له، لكافكا وليس لرأسه، أن يعرف أن مقهى "ستاربكس" هو أكثر المستفيدين من إرثه الروائي. كتب كافكا روايته "أميركا" من غير أن يزورها. كانت به حاجة لهجائها. وها هي أميركا الرأسمالية تضعه على قائمة موادها الاستهلاكية من خلال مقهاها الشهير الذي يواجه رأسه في براغ.
وقفتُ أمام رأس كافكا المؤلّف من طبقات معدنية لامعة، تدور كل واحدة منها على نفسها بين حين وآخر، وبكيتُ، لا من أجل كافكا وحده، بل خُيّل إليَّ أن السوري إبراهيم وطفي، مترجم كافكا إلى العربية، قد حل في جسدي وفاضت دموعه من خلال عيني. تركت مقعدا فارغا لوطفي وجلست بين العشرات في "ستاربكس" في ما كان العشرات يقفون أمام الرأس الذي لم يكفّ عن التفكير، لكن بطريقة بصرية معاصرة.