يحتفي الإعلام الإيراني منذ أيام بـ"البطولات التاريخية" التي حققها وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، خلال مشاركته في الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، متوسلا لغة الأرقام، لإضافة نكهة الانتصار على وقائع عادية، تقوم بها أي بعثة دبلوماسية في محفل دولي.
وبحسب إعلام بلاده، فإن الوزير العتيد أجرى 35 لقاء، من بينها لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، كما شارك بفعالية في 43 برنامجا، مع نظرائه وكبار المسؤولين من الدول المشاركة، من دون ذكر أية تفاصيل، حول طبيعة هذه اللقاءات والبرامج، والفائدة المرجوة منها بالنسبة لإيران، وكأن حجم الأرقام وحده، دليل على تحقيق الإنجازات.
وفيما الحقيقة أن عبداللهيان عاد إلى بلاده، وهو يجر أذيال الخيبة في مسألتين شديدتي الحساسية بالنسبة للدبلوماسية الإيرانية، الأولى: فشله في إقناع إدارة البيت الأبيض بالسماح له بزيارة واشنطن، والأخرى: انهيار اللقاء الذي كان مخططا له مسبقا، لجمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، حول طاولة مفاوضات، مع إيران والعراق.
وقد تجاهل الإعلام الإيراني التقارير الإعلامية العالمية التي ذكرت أن عبد اللهيان غادر الولايات المتحدة، بعدما فشلت جهود فريقه في الحصول على إذن للسفر إلى واشنطن، ولم يمر على تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، الذي كشف أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، رفضت طلبا إيرانيا بالسماح لعبداللهيان بزيارة واشنطن، بعد انتهاء أعمال الجمعية في نيويورك.
يشار إلى أن ميلر صرح في هذا الشأن، وبرر موقف بلاده، قائلا: "نحن ملتزمون بالسماح للمسؤولين الإيرانيين والدول الأخرى، بالسفر إلى نيويورك، لمتابعة قضايا بلادهم في الأمم المتحدة، لكننا غير ملزمين بالسماح لهم بالسفر إلى واشنطن".
عاد عبداللهيان إلى بلاده، وهو يجر أذيال الخيبة في مسألتين شديدتي الحساسية بالنسبة للدبلوماسية الإيرانية: فشله في إقناع إدارة البيت الأبيض بالسماح له بزيارة واشنطن. وانهيار اللقاء الذي كان مخططا له مسبقا، لجمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، حول طاولة مفاوضات، مع إيران والعراق
وذلك أن الولايات المتحدة تضع منذ عام 2009- الذي شهد حركة اعتراض واسعة؛ عُرفت بـ"الحركة الخضراء"، ضد إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد، لدورة رئاسية ثانية- قيودا مشددة على ممثلي النظام الإيراني المشاركين في اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، فلا تسمح لهم بزيارة واشنطن بالطبع، ولا أي مدينة أميركية أخرى، كما تحصر تحركهم في نيويورك، ضمن دائرة جغرافية ضيقة، لا تتعدى مقر الأمم المتحدة، والمسافة من المطار إلى مكان إقامتهم وبالعكس، ولم تسجل هذه القيود تساهلا ولا تراخيا، إلا في التعامل مع وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، ثم عادت بعد انتهاء ولايته، إلى سابق عهدها.
وبحسب الإعلام الإيراني المعارض، هناك هدفان لمحاولة عبداللهيان انتزاع إذن بزيارة واشنطن من إدارة بايدن، أولا: زيارة مكتب حماية المصالح الإيرانية، الذي يقع في مبنى السفارة الباكستانية، بغية الحصول على معلومات عن تحركات المعارضة الإيرانية، ومعرفة مدى قربها من البيت الأبيض. ثانيا: إثارة الشائعات حول أن إدارة البيت الأبيض، كسرت القيود القديمة، ومنحت عبداللهيان امتيازات خاصة، كالتي حصل عليها ظريف.
وقبل مغادرته خائبا، عقد عبداللهيان مؤتمرا صحافيا، لم يتطرق فيه إلى رفض طلبه، وبدلا من ذلك، قال إن تبادل الرسائل بين الولايات المتحدة وإيران "مستمر" وإن طهران "تتلقى دائما رسائل إيجابية من واشنطن".
وفي سياق موازٍ، لم يأتِ الإعلام الإيراني، ولا عبداللهيان نفسه، على ذكر الجهود الدبلوماسية، التي باءت بالفشل، لعقد اجتماع بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي+ العراق وإيران، من أجل إيجاد حلول للأزمات العالقة بين هذه الدول؛ فالخطة التي كانت تتحضر برعاية أممية وباستماتة إيرانية، انهارت قبل التنفيذ، وأصابت عبداللهيان بخيبة أخرى.
ويُرجع معارضون إيرانيون السبب إلى الطريقة التي تُدير بها إيران علاقتها مع جيرانها، فهي في نزاع سيادي وحدودي مزمن، مع دولتي الإمارات والكويت، وفي قطيعة تامة في العلاقات مع مملكة البحرين، ولديها اتفاق لم يصلب عوده بعد، مع المملكة العربية السعودية، وتمارس سياسة الهيمنة في علاقتها مع العراق.
تشير مصادر إلى أن النظام الإيراني، بشخص مرشده السيد علي خامنئي، يضغط حاليا بكل قوة، لتشكيل منتدى للحوار الإقليمي، من أجل ترتيب العلاقة مع الجوار العربي، بعدما أنهكته العزلة، وتفاقمت أزمته الاقتصادية، وانهارت عملته الوطنية
كان عبداللهيان يأمل في أن ينجح في فتح ثغرة بجدار العلاقة مع دول مجلس التعاون، بناء على رغبة أركان النظام، للحد من عزلته، التي فرضتها العقوبات الدولية، كما كان يطمع في أن يسرع الاجتماع؛ لو نجح، بتنفيذ جزء بسيط من القرار 598 الصادر عن الأمم المتحدة عام 1987، الذي أنهى ثماني سنوات من الحرب المدمرة مع العراق، والذي لم تُنفذ بنوده بعد.
وتشير مصادر إلى أن النظام الإيراني، بشخص مرشده السيد علي خامنئي، يضغط حاليا بكل قوة، لتشكيل منتدى للحوار الإقليمي، من أجل ترتيب العلاقة مع الجوار العربي، بعدما أنهكته العزلة، وتفاقمت أزمته الاقتصادية، وانهارت عملته الوطنية، والمنتدى فكرة تحدث بها الرئيس السابق حسن روحاني، وأطلق عليها اسم "اتفاقية هرمز للسلام"، لكن المتشددين من أتباع خامنئي ومن بينهم عبداللهيان، في حينها، كانوا رافضين لأي فكرة تقارب أو سلام مع الجيران، فاتهموا روحاني وفريقه بالخنوع، وأوعزوا إلى مناصريهم بشن هجمات على مقار دبلوماسية تابعة للمملكة العربية السعودية على الأراضي الإيرانية، وأحرقوا سفارتها في طهران.
ويبدو أن رياح الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، جرت كما لم تشتهِ سفن عبداللهيان؛ فالبطولات التاريخية التي حققها لم تتجاوز البقعة الجغرافية التي حددتها واشنطن، ولم يتمكن من دخول البيت الأبيض فاتحا، كما ظلت أبواب جيرانه في الخليج العربي موصدة أمامه.