يطرح قرار الحكومة السورية إزالة الحواجز العسكرية والأمنية من الطرق الرئيسة في مناطق سيطرتها، أسئلة كثيرة حول أسباب إقدامها على ذلك؛ فهل الهدف من القرار تخفيف الإحتقان الشعبي وتهدئة الرأي العام، بعد تجدد الإحتجاجات في محافظة السويداء جنوب البلاد؟ وهل هناك رابط بين إزالة الحواجز والمبادرة العربية للتطبيع مع سوريا، وفق مبدأ «خطوة مقابل خطوة»؟ وهل إزالة هذه الحواجز عائد إلى خلافات بين الرئيس بشار الأسد وقائد «الفرقة الرابعة» في الجيش السوري، شقيقه ماهر، خصوصا أنّ للفرقة حواجز على كل الطرق الرئيسة الرابطة بين المحافظات؟
يعود تاريخ هذه الحواجز بشكل أساسي، إلى العام 2011 في أعقاب إندلاع الإحتجاجات ضد الحكومة بدءاً من درعا في الجنوب، ومن ثم امتدادها تدريجا إلى غالبية المحافظات. فالاتساع الجغرافي السريع للاحتجاجات، وتزايد أعداد المشاركين فيها، فضلاً عن ارتفاع وتيرة تشكيل الفصائل المسلحة المعارضة، أقلقت الحكومة ودفعتها إلى عزل المحافظات والمدن والبلدات والقرى عن بعضها البعض، وتقطيع أوصالها، من خلال زرع حواجز عسكرية وأمنية في الطرقات الواصلة بينها. كما قُسّمت كل محافظة ومدينة وبلدة وقرية إلى قطاعات أمنية تفصل بينها الحواجز، وكل ذلك من أجل الحد من انتشار الإحتجاجات وقطع التواصل بين المشاركين فيها، وكذلك بين مقاتلي الفصائل المسلحة المعارضة، إذ كان عناصر تلك الحواجز يمنعون المحتجين من الوصول إلى مناطق مجاورة لمنطقتهم، والمواطنين من التنقل بين منطقة وأخرى، فضلاً عن رصد العناصر المسلحة ومنع حركتها بين المناطق.
إغلاق العاصمة
عمدت الحكومة السورية أيضاً إلى إغلاق العاصمة دمشق بإحكام من خلال زرع الحواجز على مداخلها كلها، وذلك بهدف عزلها كلياً عن محافظة ريف دمشق، التي عمّت الاحتجاجات غالبية مدنها وبلداتها وقراها، مع الإزدياد السريع لعدد الفصائل المسلحة، خصوصاً في غوطتي دمشق الشرقية والغربية.
فعلى المدخل الجنوبي للعاصمة، وُضع حاجز ضخم على أوتوستراد دمشق – عمان من الجهة الشمالية، وأُطلق عليه اسم «حاجز تاون سنتر»، نسبة إلى مركز «تاون سنتر» للتسوق الكائن في الجهة المقابلة له، وانتشر فيه أكثر من 135 عنصرا أمنيا من «الفرع 227» التابع لـ «شعبة المخابرات العسكرية»، ومن "الفرع 251» التابع لـ«إدارة المخابرات العامة». كما أُقيم على أوتوستراد دمشق – السويداء، على المدخل الجنوبي الشرقي لدمشق، «حاجز نجها» الذي تتشارك الإنتشار فيه، عناصر تابعة لـ«إدارة المخابرات الجوية»، وأخرى لـ «فرع فلسطين»، وهو أحد فروع «شعبة المخابرات العسكرية».
وعلى المدخل الجنوبي الغربي للعاصمة، أُقيم حاجز ضخم أيضاً على طريق القنيطرة – دمشق في منطقة «السومرية»، وهو يبعد عن دمشق نحو 10 كيلومترات شرقا، ويتضمن أربعة مسارب لدخول السيارات إليها، بينما تتبع العناصر المنتشرة فيه إلى «إدارة المخابرات الجوية»، و«الفرع 215» التابع لـ«شعبة المخابرات العسكرية»، بعديد نحو 110 عناصر. كما أُقيم حاجز آخر على طريق دمشق- بيروت في منطقة «الديماس»، وهو الأضخم ويتبع لـ«الفرقة الرابعة»، ويطلق عليه اسم «حاجز الرابعة»، وينتشر فيه أكثر من 50 عنصرا.
أما على المدخل الشمالي لدمشق، فأقيم حاجزان على أوتوستراد دمشق - حمص، الأول في بلدة «القطيفة» ويطلق عليه اسم «حاجز القطيفة»، ويبعد عن دمشق نحو 40 كيلومترا شمالا، ويتبع لـ «الفرقة الثالثة»، والثاني قريب منه ويقع في منطقة «جسر بغداد»، ويتبع لـ«الفرقة الرابعة»، ويطلق عليه اسم «حاجز الثنايا» نظراً إلى التعرج القوي لطريقه. والمفارقة أن الحكومة أزالت «حاجز القطيفة» في مارس/ آذار 2020، بعد أيام قليلة على وقوع حادث مروري أودى بحياة 32 شخصا، بالقرب من «حاجز الثنايا».
من الجهة الشرقية للعاصمة، حيث تلاصقها مدن وبلدات وقرى الغوطة الشرقية التي انضمت جميعها تقريباً إلى الإحتجاجات، وتشكلت فيها العديد من الفصائل المسلحة، أبرزها «جيش الإسلام»، فقد زرعت الحكومة السورية حواجز عسكرية وأمنية على كل الطرق المؤدية إلى دمشق من مدن وبلدات وقرى الغوطة الواقعة على تماس مباشر معها، مثل «حرستا، «عربين»، «زملكا»، «عين ترما»، «بيت سحم»، «يلدا» و«ببيلا».
تقطيع أوصال
لم تكتفِ الحكومة بعزل دمشق عن محيطها، بل عمدت إلى عزل كل منطقة وحي داخل العاصمة عن المناطق والأحياء الأخرى، وذلك من خلال زرع أكثر من 300 حاجز تفصل بينها، كما أغلق كثير من الطرق الرئيسة داخل هذه الأحياء والمناطق بكتل إسمنتية كبيرة، مع ترك فتحات ضيقة لدخول الأهالي وخروجهم سيرا. وكذلك أقيم العديد من الحواجز الضخمة على الطرق الرئيسة وسط العاصمة والتي تصل بين مناطقها وأحيائها، بالإضافة إلى إحاطة مقرات الأجهزة الأمنية والعسكرية، والمؤسسات الحكومية، بكتل إسمنتية كبيرة، وترك لكل واحدة منها مدخل ضيق لدخول السيارات وخروجها، مع اتخاذ إجراءات أمنية مشددة على هذه المداخل.