بدأت تجربة خالد خليفة بالوحدة، هذا الميراث الذي يتحدّث عنه لمحاولته الأولى في صُنع وحدته وفي أن يتعلّم كيف يكون الكاتب والروائي وحيدا. لم تكن إجازة الحقوق التي حصل عليها، لتملك أي معنى له، كان أسيرا لشيء آخر، لأن يقول شيئا عن الولادة والأخوة والرفاق وأبناء البلد. أخوته رسموا طريقا له دون أن يوصله إليه، السياسة، ثم الأدب. قادته المكتبة إلى أن يقرأ كثيرا، وحيث تكون العزلة انهماكا وهمّا وانشغالا.
لم ينزع ترحال خالد خليفة الطويل بين المدن السورية، سيرة البدايات ولا النضج الأول، كانت القصص القصيرة هي الملجأ الأول له، بعد أن جلس طويلا مع الروايات الروسية، ثم مع عبد الرحمن منيف، وأغلب ما يعيد قراءته كل فترة، مع صديق عزلته دوستيوفسكي. في بداية أي سيرة يرويها عن نفسه، وهو يحزم يديه تحت إبطيه، يتحدّث عن السجن الرحيم الأول، الذي ألقاه على عاتق جسده وروحه من أجل الكتابة. قد تبدو سيرته سيرة راهب مُخلص أحيانا، أو سيرة تجربة في التحقق والنجاح. في دمشق واللاذقية، كان يدفع ثمن إيجار أي مقهى يختاره الشبان ليبدأ دورة سيناريو طويل، ودورات أخرى لكتابة الرواية. وذلك بعد أن بدأ يحقق حضورا آخذا في الاتساع، لاسيما مع "مديح الكراهية" (2006) الرواية الأولى التي كان فيها الصوت النسائي عاليا، وفيها تفكيك الشخصيات، التي تقلق وترتعد وتُعنف تحت نير الاستبداد. كان عليه أن يلقن جيلا طويلا من السوريين صدمة، حتى النظام السوري ذاته قد ارتبك أمامها، "مديح الكراهية" كانت العمل الأول تقريبا في بدايات القرن الحادي والعشرين، والتي لا تستخدم التضليل والمكر لإيصال فكرة مفادها أننا نحيا في مجتمع عنيف وخائف وقلق، وأننا ضحايا استبداد مخيف، وهذا بلغة بسيطة، سرديّتها من المعاش السوري والمخيلة المرعبة.