الرباط: قبل شهر تقريبا، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مصوَّر في إحدى صالات السينما بالمغرب، يُظهر جمهورا محتشدا أمام شاشة عملاقة وسط الظلام، تعرض للمرة الأولى الفيلم الشهير "أوبنهايمر"، آخر أعمال المخرج الفذ كريستوفر نولان. ما إن بدأت الصور الأولى تتوالى، وبمجرّد أن نطق صوت البطل أول جملة، حتى تعالت فجأة صرخات الاستهجان والاستنكار من الجمهور. الكلّ يصرخ ويحتج ويصفر من كل ركن في الصالة، ليس على رداءة الصورة أو سوء تموضعها داخل إطار الشاشة، وإنما على اللغة التي اختيرت لعرض الفيلم، والتي لم تكن سوى دبلجة باللغة الفرنسية، بدلا من لغة الفيلم الأصلية (الإنكليزية). استمر الهرج والمرج لدقائق، حتى استحال استمرار العرض أو متابعته. خشيت إدارة الصالة أن تخرج الأمور عن السيطرة وتعم الفوضى المكان، وخصوصا أن البعض تحرّك نحو شباك التذاكر مطالبا باسترجاع نقوده، مما اضطرها للرضوخ والاستجابة سريعا لمطالب الجمهور، فاستبدلت النسخة المدبلجة للفيلم بالنسخة الأصلية. هكذا، عاد الهدوء من جديد إلى الصالة، واستمر العرض في صمت، بلا أدنى تشويش، على مدى ثلاث ساعات.
مباشرة بعد هذه الحادثة، انتقل الاحتجاج إلى منصّات التواصل الاجتماعي، واستمرّت الحملة لأيام طويلة، انخرط فيها جمهور باقي المدن المغربية التي برمجت صالاتها عرض هذا الفيلم، وأغلبهم شباب ويافعون من مختلف فئات المجتمع، بل منهم من يدخل صالات السينما للمرة الأولى في حياته. الكل يطالب بعرض النسخة الأصلية وليس الفرنسية، في سابقة فريدة من نوعها، كما انضمّ إلى هذه الحملة بعض السينمائيين والنقاد وكثير من عشّاق السينما. حجة الجميع هي أن اللّغة الأصلية التي يعرض بها الفيلم جزء لا يتجزأ من الفرجة السينمائية وتحقّق المتعة الفنية على الوجه الأمثل. هناك من دافع بأنه لا يعقل أن تعرض مثل هذه "التحف" السينمائية بلغة بديلة، في حين رأى آخرون أنّه صار مستهجنا مشاهدة فيلم أميركي مدبلجا بالفرنسية، باعتبارها لغة تجاوزها قطار العولمة منذ زمن، بل هناك من انتقد عادة سيّئة تكرّست طويلا بلا مبرر، وهي عرض جلّ الأفلام المغربية مرفقة بترجمة فرنسية أسفل الشاشة، وكأنها موجهة إلى جمهور أجنبي خارج المغرب!