الجزائر... ترسيم للحدود و"صراع النفوذ"؟
لا مؤشرات بعد على طي صفحة الخلاف الجزائري-المغربي
الجزائر... ترسيم للحدود و"صراع النفوذ"؟
حتى اللحظة، لم يصدر عن الرئاسة الجزائرية، أو أية جهة رسمية في البلاد، موقف أو تصريح لافت على خطاب العاهل المغربي، الملك محمد السادس إلى شعبه بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لتربعه على العرش، حول فتح الحدود بين البلدين والشعبين الجارين الشقيقين.
ويرى مراقبون ومتابعون للعلاقات الجزائرية- المغربية، أن خطاب الملك المغربي هو محاولة للظهور كمبادر إيجابي وتبييض سمعة المغرب، مبررهم أن الرباط لم تتخذ أي خطوات ميدانية لتفعيل المصالحة في وقت تكرس التباعد بين البلدين، لا سيما بعد تطبيع المغرب لعلاقاته مع إسرائيل، وترجم ذلك بالتعاون الرسمي والشراكة ليس فقط على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي، وإنما أيضا على المستوى الأمني والاستراتيجي.
ويستدل البعض بتجنب الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون الرد في حوار صحافي شامل أجراه مع الصحافة المحلية، على خطاب العرش الملكي في المغرب، وهو ما يوحي بأن الجزائر غير جاهزة حاليا للتفاعل مع أي تغيير لموقفها بشأن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية.
وفي ظل غياب أي رد جزائري رسمي، يستعرض مراقبون مجموعة من العوامل التي تحول حاليا دون الوصول إلى مصالحة، ويستقرئ حسين دوحاجي، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي بكلية الإعلام والاتصال، الموقف الجزائري قائلا: "تصريحات العاهل المغربي لا تشكل حدثا دبلوماسيا بالنسبة للجزائر لأن جذور الصراع حاليا تعود إلى حقبة الاستعمار وما بعد الاستقلال الوطني للبلدين من مستعمر الأمس المشترك فرنسا".
تعمقت الهوة وتباعدت المسافات بين البلدين وبدأت العلاقات في محنة التوتر حتى وصلت إلى القطيعة، بحسب المتحدث، بعد التحاق المغرب بقطار التطبيع مع إسرائيل، واستقباله لوزير الدفاع الإسرائيلي الذي هدد الجزائر وشبهها بإيران.
ويمتد الخلاف، حسب حسين دوحاجي، إلى "أزمة ترسيم الحدود بين البلدين وما نجم عنها من أزمات تحولت إلى اشتباكات مسلحة، وهنا بإمكاننا أن نستحضر معركة أمكالة الأولى التي وقعت أواخر يناير/كانون الثاني 1976، ومعركة أمكالة الثانية التي وقعت في فبراير/شباط 1976".
ولعل أبرز ما غذى النزاع، وفقا للمحلل السياسي، قضية الصحراء المغربية؛ فالجزائر كان موقفها دائما الدفاع عن حق الشعب الصحراوي بممارسة حقه في تقرير المصير وفقا للشرعية الدولية، لا سيما قرارات الأمم المتحدة، بينما يعتبر المغرب إقليم الصحراء المغربية جزءا لا يتجزأ من أراضيه ويصر على السيطرة على أغلب المناطق وهو الموقف الذي ترفضه دول عدة والأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية.
وتعمقت الهوة وتباعدت المسافات بين البلدين وبدأت العلاقات في محنة التوتر حتى وصلت إلى القطيعة، بحسب المتحدث، بعد التحاق المغرب بقطار التطبيع مع إسرائيل، واستقباله لوزير الدفاع الإسرائيلي الذي هدد الجزائر وشبهها بإيران، وأيضا نزول وزير الخارجية الإسرائيلي في الرباط وجهره بموقف داعم للمغرب في قضية الصحراء المغربية والتأكيد على الدعم الأميركي أيضا، ونجد كذلك تصريحات عضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي الذي هدد الجزائر ورئيسها وقال: "لو تجرأ تبون على المغرب سوف يصبح حسابه مع إسرائيل... وإسرائيل لا تمزح".
الصدام السياسي بين الجزائر والمغرب أعمق بكثير ويتعلق الأمر بصراع النفوذ حول من يتبوأ مكانة الدول المحورية في المنطقة، وهذا طبعا مرتبط بالعلاقات مع الغرب والولاءات والامتيازات الاقتصادية التي توفرها كل دولة للغرب في هذا المضمار.
لكن يعتقد المحلل السياسي دوجاجي أن "الصدام السياسي بين الجزائر والمغرب أعمق بكثير ويتعلق الأمر بصراع النفوذ حول من يتبوأ مكانة الدول المحورية في المنطقة، وهذا طبعا مرتبط بالعلاقات مع الغرب والولاءات والامتيازات الاقتصادية التي توفرها كل دولة للغرب في هذا المضمار".
وتعاظم في السنوات الأخيرة التنافس بين البلدين على الأسواق الأفريقية، حيث صوبت الجزائر أنظارها نحو دول غرب أفريقيا وأخرجت من الأدراج مشاريع ضخمة أطلقت خلال العقدين الماضيين غير أنها لم تر النور، أهمها مشروع الطريق العابر للصحراء الذي شرع في تشييده عام 1960 على مسافة 9400 كيلومتر يربط محوره الرئيس بين الجزائر العاصمة ولاغوس النيجيرية وتتفرع منه عدة تفرعات تصل إلى النيجر ومالي وتشاد وتونس، كذلك سجلت الجزائر في 2020 حدثا دبلوماسيا هاما؛ إذ صادقت على الاتفاقية المؤسسة للمنطقة الأفريقية للتبادل التجاري، والتي تطمح من خلالها لتحقيق مبادرات تجارية تتجاوز 50 مليارا بحلول 2023.
المغرب هو الآخر وسع من حجم تعاونه مع دول القارة الأفريقية في عدة مجالات وقطاعات، بينها القطاع المصرفي والاتصالات السلكية واللاسلكية، وفي التوقيت نفسه أطلق المرحلة التنفيذية لتجسيد اتفاق منطقة التبادل الحر القارية الأفريقية لأنه يراها أسلوبا للإدماج الاقتصادي في القارة السمراء.