على الرغم من إصداره أكثر من عشر مجموعات شعرية، لا يزال الشاعر السعودي إبراهيم زولي قلقا من السؤال الذي يصفه بالوجودي، وهو "هل أنا أكتب الشعر أم هو يكتبني؟" ويوضح: "القصيدة ليست قطة أليفة تتبع سيدها وقتما يريد، ولا هي محفظة مصنوعة من جلد فاخر يضعها الأثرياء في جيوبهم ويخرجونها ساعة يشاؤون".
فالشعر حالة إبداعية لا يمكن تفسيرها، لكن يمكن رؤية نتائجها في تجربة زولي. أصدر مجموعته الأولى "رويدا باتجاه الأرض" عام 1996 ومن ثم توالت الإصدارات التي تحمل عناوين مختلفة من بينها "حرس شخصي للوحشة" و"شجر هارب من الخرائط" وغير ذلك من عناوين شكلت تجربته، التي تعرف إليها الجمهور العربي من خلال مشاركته في المهرجانات الشعرية التي أقيمت في عدد من الدول العربية، سبقتها إصداراته المنتشرة في تلك الدول.
اخترتَ قصيدة النثر أسلوبا لكتابة الشعر، هل جاء هذا بقرار، وهل جربت أساليب أخرى؟
الشاعر الذي يطمئن إلى معمار واحد، هو شاعر لا يصوّب عينيه نحو الشمس والمستقبل. أجل، لم أكن ممن يحرقون المراحل كيفما اتفق. شرعت منذ البدء في كتابة القصيدة العمودية، حيث القوافي والزحافات والعلل، وما إن لاحظت أن خطابي آخذ في التكرار والتشابه، حتى كتبت النص التفعيلي، ولأنني أؤمن بالتجديد، اجترحتُ أخيرا كتابة قصيدة النثر.
لا أدّعي مجدا في ذلك. كان هاجسي المغامرة من قبل ومن بعد، ومتى انطفأت جذوة المغامرة من روح الشاعر فقد كل شيء، وانتكس، وتقوقع في ركن بائس وفخ شعري يتيم لن يغادره حتى آخر العمر. دون حس التجريب يحفر الشاعر ضريحه بيديه.
كيف تنظر إلى قصيدة النثر؟
وفق توصيف نيتشه أطمح أن أقول في عشر جمل ما يقوله آخرون في كتاب كامل. في تقديري إن القصيدة الجديدة تخلّتْ عن الترف والتبذير المفرط في البلاغة المفسدة للنص، إنها تتجه حثيثا نحو الاقتصاد في اللغة، وتتخلّى تماما عن كل ما يطوف بالشعر بعيدا من شاعريته، وينحرف به عن سبيله الأجمل، وبالتالي سيقول شيئا مغايرا عما يودّ أن يبوح به منتج النص. إن ضبابية الرؤيا التي في مخيلة الكاتب، تفضي بالضرورة إلى إشكالية في التعبير، مما يضلّل المتلقي، ويوقعه في متاهات جمّة، ليس من بينها الإبداع.