ديفيد كروننبرغ في الثمانين: الجسد بيت الرعبhttps://www.majalla.com/node/300846/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%AF%D9%8A%D9%81%D9%8A%D8%AF-%D9%83%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%86%D8%A8%D8%B1%D8%BA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B3%D8%AF-%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B9%D8%A8
خلال تسلمه جائزة دونوستيا للإنجاز مدى الحياة، تقديرا لمسيرته السينمائية المرموقة، خلال مهرجان سان سيباستيان السينمائي الدولي السبعين 21 سبتمبر/ أيلول 2022.
في مقابلة أجريت أخيرا مع المخرج الكندي الكبير ديفيد كروننبرغ، لمناسبة بلوغه الثمانين، سأله الصحافي: "كيف نجوت حتى الآن من أهوال خيالك؟"، إشارة الصحافي إلى أهوال الرعب الجسدي في أفلام كروننبرغ المهمة، مثل "الذبابة" (1986)، و"الغداء العاري" (1991)، المقتبس من رواية الكاتب الأميركي ويليام بوروز، وeXistenZ المحرَّف عن كلمة Existence "وجود" (1999)، وصولا إلى تحفته الأخيرة "جرائم المستقبل" (2022). كانت إجابة كروننبرغ عن السؤال باردة، متعالية، وبعيدة عن الحقيقة: "أفلامي مضحكة، ولا تؤذي أحدا".
في "الذبابة" هناك الممثل جيف غولدبلوم الذي يقوم بدور عالِم يُدعى سيث براندل، وهناك الممثلة جينا ديفيس في دور الصحافية فيرونيكا. سيث لديه اكتشاف مذهل، فهو يستطيع في معمله نقل الأشياء المادية بصورة فورية من مكان إلى آخر، ويريد من فيرونيكا توثيق اختراعه بالفيديو. معمل سيث في مبنى قديم، عديم اللون، أشبه بمستودع أو معسكر اعتقال كئيب، وهنا تتجلّى قوة كروننبرغ في اختيار أماكن تصويره. يعتذر سيث لفيرونيكا عن قذارة المبنى، وأنها ستجد المعمل أفضل حالا. حجرتان كبيرتان من الحديد والزجاج، يضع سيث في واحدة منهما جورب فيرونيكا الشفاف، وعبر استخدام الكومبيوتر، يفكك مادة الجورب في الحجرة الأولى، ويعيد تجميعها مرة أخرى في الحجرة الثانية.
العقبة التي تواجه سيث هي نقل المادة العضوية من حجرة إلى أخرى. يبدأ بقطعة لحم، فتنتقل من حجرة إلى أخرى، لكنها تكتسب طعما صناعيا كريها، ثم يقوم بتجربته على قرد بابون، وأخيرا يجري التجربة على نفسه، لكن لسوء حظه تدخل معه في الكابينة الأولى ذبابة، فيرتبك الكمبيوتر، ويدمج الحمض النووي للذبابة مع الحمض النووي لسيث في الحجرة الأولى، ليظهر كائن آخر غريب في الحجرة الثانية. تلاحظ فيرونيكا شعيرات قاسية سميكة تنبت على ظهر سيث، ودمامل متقيّحة على وجهه.
يراجع سيث برامج الكمبيوتر، فيكتشف أنه أصبح "براندل الذبابة" Brundlefly. تعوم أظفار سيث فوق صديد مقزز، فيخلع ظفره بسهولة أمام المرآة. يستمتع كروننبرغ بتطوّر التحوّلات المرعبة على جسد براندل الذي يريد من فيرونيكا توثيق تحوّله إلى "براندل الذبابة"، وقد يستحق هذا التوثيق جائزة نوبل، أو تُكتب للأجيال القادمة، قصة للأطفال عن حياة "براندل الذبابة". إذا كان مُشاهِد سينما كروننبرغ على درجة كبيرة من انحراف الذوق الفني، فله أن يعتبر قصة أطفال عن حياة "براندل الذبابة"، مادة درامية مضحكة كما قال كروننبرغ في المقابلة الصحافية.
يمكن اعتبار "الغداء العاري" الجزء الثاني من "الذبابة"، إلا أن كروننبرغ هنا، يُوسّع من رؤيته الكافكوية لعالَم الحشرات، مع دمج عوالم بوروز: الإدمان، الهلوسة، الأحلام، الرغبة في كتابة ما لا يُكتب
يحتفظ كروننبرغ للمشاهد بدعابة سادية، شريرة، مع قرب نهاية الفيلم. تحمل فيرونيكا في بطنها جنين سيث براندل، وتتوقّع أن يولد الطفل مشوّها، تفكّر في الإجهاض، وتحلم بولادتها في مستشفى، والمفاجأة أن الممثل الذي يقوم بدور طبيب التوليد هو ديفيد كروننبرغ الذي يضع على أنفه وفمه كمامة، لكن من عينيه، ونظارته، وهيئة رأسه، يتعرّف المُشاهِد إلى الطبيب، مخرج الرعب الجسدي. يُخرج الطبيب كروننبرغ المسخ من بطن فيرونيكا، دودة كبيرة بيضاء، مختلطة بالدماء، تتلوّى بين يديه، وسط صرخات فيرونيكا.
الغداء العاري
أثناء إعداد رواية "الغداء العاري" للسينما، صرّح الروائي وليام بوروز (1914- 1997) صاحب الرواية،"أن كروننبرغ هو المخرج الوحيد الذي يستطيع تناول الغداء عاريا".كلمات بوروز تحمل معنيين، الأول أن كروننبرغ يستطيع عاريا، دون ملابس، تناول الغداء الفاخر في أفخم مطاعم بيفرلي هيلز الكلاسيكية، والمعنى الثاني أن كروننبرغ بكامل ملابسه وأناقته، وشعره الفضي الأريستوقراطي، يستطيع تناول الغداء العاري من البذخ على أحد أرصفة بروكلين.
يمكن اعتبار "الغداء العاري" الجزء الثاني من "الذبابة"، إلا أن كروننبرغ هنا، يوسّع من رؤيته الكافكوية لعالَم الحشرات، مع دمج عوالم بوروز: الإدمان، الهلوسة، الأحلام، الرغبة في كتابة ما لا يُكتب. يبدأ الفيلم بالممثل بيتر ويلر في دور وليام لي، مبيد الحشرات من طريق رشها بمسحوق أصفر، وهو أيضا كاتب روائي. وليام لي وزوجته الممثلة جودي ديفيس في دور جون لي، يدمنان حقن مسحوق مبيد الحشرات في جسديهما.
خنفساء كبيرة، في حجم آلة كاتبة، تخبر وليام لي بأنها المسؤولة عن قضيته، وهي خنفساء مدمنة أيضا استنشاق مبيد الحشرات الأصفر، على عكس الحشرات الصغيرة التي تقتل به. وليام لي عميل الخنفساء، وعليه تنفيذ أوامرها، أي عليه أن يقتل زوجته جون لي، لأنها عميلة "الإنترزون"، Interzone، ومنطقة "الإنترزون" هي في الفيلم بشكل غامض، الفردوس والجحيم معا، هي طنجة، ملجأ جيل بوروز الضائع، جاك كيرواك، وألن غينسبرغ، وبول بولز، وجين بولز.
الأمر الذي وجهته الخنفساء لوليام لي بقتل زوجته جوان لي، يمهد إلى أن كروننبرغ سيستخدم لاحقا في "الغداء العاري"، الحادثة الواقعية التي قتل فيها وليام بوروز زوجته الحقيقية جوان فولمر من طريق الخطأ، وذلك بوضع كوب زجاجي على رأسها، والتصويب بالمسدس عليه، إلا أن بوروز كان تحت تأثير الكحول والمخدرات، فأخطأ وأصاب جبهة زوجته.
نصف مجد وليام بوروز في الأدب، يرجع إلى قتل زوجته بالخطأ، والنصف الآخر يتنازعه أمران هما الإدمان والكتابة. في لقطة مخيفة، نائية عن الخيال الإنساني، لكنها ليست نائية عن خيال ديفيد كروننبرغ، تنفخ جون لي زوجة وليام زفير صدرها أمام صرصار على الجدار، فيقع أرضا، فنرى على الأرض أكثر من صرصار يلفظ أنفاسه الأخيرة. لعبة جون لي المقززة، المرعبة، يكرّرها زوجها في مشهد آخر بالفيلم.
يهرب وليام لي إلى منطقة "إنترزون"، طنجة، وهناك تظهر مرة أخرى الممثلة جودي ديفيس في دور جوان فورست مع زوجها الممثل إيان هولم في دور توم، وهما شخصيتان تمثلان في الواقع، الثنائي الشهير، الكاتب بول بولز، وزوجته الكاتبة جين بولز. هناك صراع بين الآلة الكاتبة من نوع "كلارك نوفا" والآلة الكاتبة من نوع "مورتينيلي". وليام لي يكتب عن الخنفساء المسؤولة عنه التي تحوّلت إلى "كلارك نوفا"، بينما يكتب توم على "مورتينيلي". ينصح توم الكاتب وليام لي باستخدام هذه الأخيرة، فهي تحتجز الأفكار بشكل أفضل.
من ضمن الزخارف الفولكولورية الشرقية التي لا تُحسب في أي حال من الأحوال، أنها داخل سرد فيلم "الغداء العاري"، أو حتى داخل هلوسته المحمومة، زخرفة جوان فورست المفاجئة، والمضحكة، حين طلبتْ من النادل في مطعم "إنترزون"، ملوخية، وهي أكلة مصرية. وهذهالزخارف الشرقية نراها في أفلام شهيرة مثل "المريض الإنكليزي" (1996)، للمخرج أنطوني مينغيلا، و"السماء الواقية" (1990)، للمخرج برناردو برتولوتشي، و"بابل" (2006)، للمخرج أليخاندرو غونزاليس.
اعتبر البعض أن هلوسة الإدمان عند كروننبرغ في "الغداء العاري"، هي هلوسة عقلية، باردة ورمزية، في حين أن هلوسة وليام بوروز في الرواية هي هلوسة حقيقية، من لحم ودم، ربما لأن كروننبرغ لم يعرف تجربة الإدمان في حياته الشخصية.
وجود
يمارس كروننبرغ في فيلم "وجود" لعبة تُفسد الواقع، وتتعدّى على مفهوم الزمان والمكان. الممثلة جينيفر جيسون لي في دور أليغرا غيلر مصمّمة الألعاب الشهيرة في شركة "أنتينا". اللعبة جراب عضوي، بحبل يشبه الحبل السرّي، لكن الحبل العضوي، أو الكابل، يحتاج إلى منفذ بيولوجي في أسفل الظهر لكل لاعب، مثل المنفذ البيولوجي في فيلم "ماتريكس" (1999) في قفا البطل كيانو ريفز. تخاطرٌ سينمائي يُثبت أن المنافذ الطبيعية في جسم الإنسان ليستْ كافية، لا بد من منفذ آخر إضافي لدخول اللعبة.
تتعرّض أليغرا غيلر لإطلاق نار من أحد المتطرفين الواقعيين الذين يرفضون الواقع الافتراضي. المؤامرات شبه السياسية دائما في سيناريوهات أفلام كروننبرغ، هي مؤامرات تعترض موقتا أهوال خياله، لكنها أيضا تحرّك دراما الفيلم، إلا أن الأهم من المؤامرة عند كروننبرغ، هو أداة تنفيذ المؤامرة، المسدس العضوي المركَّب من عظام، ومن خزنة رصاص، عبارة عن أنياب وأضراس بشرية، مصفوفة في مشط المسدس.
ليس هدف كروننبرغ انفجار الدماء المعتادة الهوليوودية، كما عند تارانتينو، أو سكورسيزي، بل هدفه طبقات اللحم العميقة، والأعضاء الداخلية، كأنّه طبيب جراح، بارد الأعصاب، يبحث عن شيء ليراه، ليدرسه، أو ليستأصله
الممثل جود لو في دور تيد بيكول، وهو الحارس الشخصي لأليغرا غيلر، يستخرج من كتفها بمطواة، الضرس البشري/ الرصاصة. يتوقف كروننبرغ كثيرا عند تلك اللحظات، فالناب، أو الضرس، الغائر في لحم أليغرا غيلر، يوحي بأن المادة العضوية من الممكن أن تهاجم نفسها. من آراء ديفيد كروننبرغ المخيفة، أن جنون الخلايا السرطانية العضوية التي تنشأ وتهاجم، دون سبب واضح، نظام الجسد العضوي بأكمله، هو نشاط إبداعي، نشاط خلق فني جديد.
تكتشف أليغرا غيلر بدهشة أن حارسها الشخصي بيكول لا يملك في أسفل ظهره منفذا بيولوجيا. يصارحها بيكول بأنه يخاف من العدوى، ومن حوادث حالات الشلل التي سمع عنها. تطمئنه أليغرا، وتشبه ثَقب أسفل العمود الفقري، بثَقب الأذن، وهي تحتاج للاعب، لأن جراب اللعبة العضوي تضرّر أثناء محاولة اغتيالها، وأفضل طريقة لاستعادة كفاءة الجراب العضوي، هي الدخول مباشرة في لعبة مع شخص ودود.
يذهب بيكول مع أليغرا غيلر إلى محطة وقود، وورشة سيارات في الوقت نفسه. الممثل وليام دافو في دور غاس الميكانيكي، صاحب محطة الوقود، يتعرّف إلى أليغرا غيلر، فيُقبِّل قدميها، لأنها غيّرت حياته بلعبتها الفريدة، فيسأله بيكول: وماذا كانت حياتك السابقة؟ فيرد غاس: كنت هنا في محطة الوقود. فيقول له بيكول: لكنك ما زلت في محطة الوقود. يردّ غاس: فقط أثناء الواقع المثير للشفقة. الافتراضيون ضدّ الواقعيين. يحكي غاس الميكانيكي لبيكول عن لاعب في لعبة اسمها "تاو"، أي "الطريق" في فلسفة كونفوشيوس الصينية، الطريق إلى الحياة الأبدية. طريق لعبة eXistenZ هو الأبدية.
بمثقاب هائل من الحديد يثقب غاس ظهر بيكول. تحاول أليغرا وصل ظهرها بظهر بيكول عبر الكابل العضوي، فتحدث تشنجات مضيئة في الجراب الشبيه بمعدة حيوان. تعتقد أليغرا أن ذعر بيكول هو السبب، إلى أن يأتي مرة ثانية، غاس الميكانيكي، من عمق محطة الوقود، يحمل سلاحا، ويريد قتل أليغرا غيلر مقابل 5 ملايين دولار.
يعترف غاس أنه زوّد ظهر بيكول منفذا بيولوجيا فاسدا. مفاجأة، وهنا جمال اللعبة، غاس الميكانيكي من الواقعيين، وليس من الافتراضيين. بضغط هواء المثقاب يقتل بيكول الميكانيكي غاس وفي نهاية الفيلم مفاجأة أخرى، أليغرا غيلر وتيد بيكول من الواقعيين الإرهابيين، وليس من الافتراضيين، وهما مناهضان للعبة افتراضية اسمها TransCendenZ. أليغرا غيلر وتيد بيكول يطلقان الرصاص على مصمّم اللعبة الحقيقي موقتا يفغيني نوريش، ويصرخان بسقوط TransCendenZ.
جرائم المستقبل
يضع ديفيد كروننبرغ في فيلمه الأخير "جرائم المستقبل" (2022)، الجسد البشري بسطحه الناعم، وضعف بشرته ورقتها، في مواجهة خطيرة، أمام مسوخ آلات، وحوش تكنولوجيا عضوية، إن صح التعبير، بأذرع عظمية، غضروفية، تنتهي بمشارط حادّة للتشريح، وهنا ليس هدف كروننبرغ انفجار الدماء المعتادة الهوليوودية، كما عند تارانتينو، أو سكورسيزي، بل هدفه طبقات اللحم العميقة، والأعضاء الداخلية، كأنّه طبيب جراح، بارد الأعصاب، يبحث عن شيء ليراه، ليدرسه، أو ليستأصله.
المدينة التي تدور فيها أحداث الفيلم خربة، صدئة، شبه مهجورة إلا من بعض الهواة الباحثين عن الألم عبر إجراء عمليات جراحية عشوائية خالية من الأسلوب الفني، دون تخدير بالطبع، طالما أن الإنسانية فقدتْ - وهي خطوة سوداوية واسعة من كروننبرغ - الإحساس بالألم.
بطل الفيلم هو الممثل فيغو مورتينسون في دور سول، ومساعدته الممثلة ليا سيدو في دور كابريس. سول هو فنان الألم على غرار بطل كافكا "فنان الجوع"، ففي حين كان بطل كافكا عاكفا على إذلال جسده، ونحت نحافته، بالتجويع أمام مشاهدين، فإن سول أيضا يعكف على توليد الألم، وخلق أعضاء داخلية في جسده، أشبه بالأورام، لا غاية لها سوى الآلام، يستأصلها في عرض فني أنيق، مازوشي، أمام مشاهدين.
تمرينات سول على أساليب الألم الفنية، تكون بأن ينام معلقا في مهد بيولوجي ضخم، تهبط من المهد أذرع، بأطراف تلتصق بيديه وقدميه، ومهمة المهد البيولوجي توقّع آلام سول، والتجاوب معها، وتوقع الآلام من المهد العضوي التكنولوجي، شديد الغموض عند كروننبرغ، لكن على الأرجح، عدم توقع الآلام من المهد العضوي، بمجسات أطرافه، لا يصل في النهاية إلى حدّ موت سول، وموت الألم نفسه، وهذا الموت لا يريده كروننبرغ، فقط على مساعدته كابريس استدعاء شركة الكومبيوتر "لايف فورم وير"، لدوزنة المهد على الآلام.
كابريس تخبر سول خبرا سارا، هناك هرمون جديد يجري في دمائه، لا يزال صغيرا، وعلى سول رعايته وتنميته بفنه الخلاّق، بينما يخاف سول في كل مرة، أن يفقد قدرته الفنية على توليد الأورام، أو الأعضاء الجديدة داخل جسده. كثيرون لا يتسامحون مع دعابات كروننبرغ القاتمة.
يذهب سول وكابريس إلى السجل الوطني للأعضاء، وهو على ما يبدو بقايا هزيلة من شكل الدولة البيروقراطية. على سول تسجيل براءة اختراع، وخلق أعضاء جديدة. الموظف ويبت والموظفة تيملن، يدخلان خرطومين بمنظارين في بطن سول، لتسجيل نمو الأعضاء الجديدة. ويبدو أن فلسفة تسجيل الأعضاء الجديدة هي طريقة لمنع توريثها جينيا، فيبتعد الإنسان نهائيا عن إنسانيته، وهذا يلقي الضوء على الخط الدرامي الآخر في الفيلم، وهو المجموعات التي تأكل البلاستيك، وتهضمها، بعد عمليات جراحية مرتجلة، لا يتحكم فيها "السجل الوطني للأعضاء"، وتلك المجموعات لا تبحث عن الألم، بل غايتها فقط التكيف مع طعام البلاستيك.
يدور نقاش معقد بين سول وكابريس عن اقتراح وشم الأعضاء، ويرى سول أن الوشم يأخذ شكل العضو، ويتحكّم فيه، ويعيد تشكيله، ولهذا يسلبه معناه، ويأخذه لنفسه، مع أن الأعضاء الجديدة، أو الأورام، لا غاية لها سوى الآلام، وليس من الواضح أن الوشم ينفي الآلام. ينتهي الفيلم نهاية سوداوية مروعة، وهي أن سول يجرّب طعام البلاستيك، وهذا يعني بمنطق الفيلم أن فن الألم سيندثر، ومعه تندثر الإنسانية.