ولم يكن مستغربا، بعد نجاح الانقلاب في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن يكون الظهور الإعلامي الأول لقائده عبدالفتاح البرهان على شبكة "سبوتنيك" الروسية. وهي المقابلة التي أكد فيها الأخير التزامه المضي قدما في اتفاق إنشاء القاعدة البحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر، بعد أن كانت حكومة رئيس الوزراء المدني عبدالله حمدوك جمدته.
لاحقا، وفي 23 فبراير/شباط 2022، أي قبل يوم واحد من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، زار نائب قائد الانقلاب حميدتي موسكو، حيث أعلن دعمه لتدخل روسيا في أوكرانيا، وصرح بأنه "يجب على العالم كله أن يدرك أن روسيا لها الحق في الدفاع عن شعبها". وفور عودته من زيارته تلك التي استمرت ثمانية أيام، أعلن حميدتي تأييده خطط إنشاء القاعدة البحرية الروسية على الساحل السوداني للبحر الأحمر.
وهو ما بدا أنه تنافس بين البرهان وحميدتي على خطب ود موسكو، خصوصا بعد امتناع البرهان عن المجاهرة بهذا التأييد في سياق سعيه للتقارب مع الغرب واستعادة الدعم الدولي لحكمه، الأمر الذي سمح لحميدتي بتوطيد علاقته مع روسيا، من خلال دعمه إنشاء تلك القاعدة البحرية الروسية.
قاعدة استراتيجية
الجدير ذكره أن القاعدة المذكورة آنفا وتلك التي أنشأتها موسكو في ميناء طرطوس بسوريا، هما القاعدتان البحريتان الروسيتان الوحيدتان خارج الحدود الإقليمية الروسية. علما أن قرب القاعدة تلك من كل من مضيق باب المندب وقناة السويس يمنح روسيا ميزة حاسمة فيما يخص مراقبة صادرات النفط العالمية، وإمكانية اعتراضها إذا اندلع نزاع دولي واسع النطاق. ناهيك بأن هذه القاعدة تؤسس لوجود روسيا في البحر الأحمر، وتعزز وجودها في شرق البحر المتوسط.
وكان الرئيس الروسي قد أصدر تعليماته ببدء بناء هذه القاعدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على أن تستوعب أربع سفن حربية تعمل بالطاقة النووية بالإضافة إلى طاقم أرضي للمهمات اللوجستية. لكن حكومة عبد الله حمدوك الانتقالية جمدت الاتفاق لإنشاء القاعدة في أبريل/نيسان 2021، وذلك في إطار سعيها لتحسين علاقاتها مع الغرب. بعد ذلك تم إحياء المحادثات بشأن القاعدة عقب "انقلاب 25 أكتوبر"، فكان ذلك إحدى دلالات الدعم الروسي لذلك الانقلاب. علاوة على ذلك، وفي مارس/آذار 2022، امتنع السودان، مع عدد من الدول الأفريقية، عن التصويت لصالح قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة والذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب القوات الروسية بالانسحاب منها.
إسلاميون محبون لروسيا
والحال هذه، واصل المكون العسكري توطيد علاقاته مع روسيا بعد الانقلاب؛ ففي 3 أغسطس/آب 2022، زار وكيل وزارة الخارجية دفع الله الحاج علي روسيا لحضور الجلسة العاشرة للجنة التشاور السياسي بين وزارتي خارجية جمهورية السودان وروسيا الاتحادية، والتي كانت قد شُكلت في عهد البشير. ثم زار وفد رسمي سوداني موسكو يوم 15 أغسطس/آب لإحياء اللجنة الحكومية الروسية- السودانية التي شُكلت أيضا في عهد البشير. وخلُصت تلك الاجتماعات المشتركة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين في قطاعات عدة، من بينها التعدين والتنقيب عن النفط والطاقة. وبدا واضحا أن الحكومة الانقلابية قررت التوجه نحو موسكو لتعويض الخسائر الاقتصادية التي بلغت 4.4 مليار دولار جراء توقف المساعدات الخارجية منذ انقلاب البرهان وحميدتي على الحكومة المدنية. وتزامن هذا الاتجاه للتقارب مع موسكو، مع العودة التراكمية للكادر الإسلامي إلى الخدمة المدنية، وخصوصا في وزارة الخارجية؛ فمنذ يناير/كانون الثاني 2022، أعيد تعيين 102 من الكوادر الإسلامية في السلك الدبلوماسي. وكان هؤلاء الدبلوماسيون قد دُربوا على تأييد روسيا والصين ضد الغرب.
كذلك، وخلال المفاوضات لتجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة إلى السودان، في وقت مبكر من العام المنصرم، دعمت روسيا والصين موقف حكومة الانقلاب، بأن يكون هناك تمديد تقني لولاية البعثة من دون أي تغيير جوهري في مضمون تفويضها. وكان الاقتراح الأولي لتجديد تفويض البعثة، بعد "انقلاب 25 أكتوبر"، أدان الانقلاب العسكري والعنف الذي تمارسه قوات الأمن ضد المتظاهرين السلميين، كما أشار إلى تجدد أعمال العنف في دارفور، ودعا لعملية سياسية تنهي الأزمة التي تسبب فيها الانقلاب.
وبالفعل، أدى الدعم الروسي للحكم العسكري، مرة جديدة، إلى تعطيل القرار في نسخته الأولى، مما أسفر، في يونيو/حزيران 2022، عن صدور قرار مجلس الأمن رقم 2636 لسنة 2022، والذي خلا من أي تغيير جوهري في تفويض البعثة على نحو يُمكنها من أن تكون أكثر فعالية في الاستجابة للمتغيرات على أرض الواقع في السودان.
علاوة على ذلك، تبنى مجلس الأمن، في 15 فبراير/شباط من العام نفسه، وبالإجماع، القرار 2620، والذي يمدد ولاية فريق الخبراء المعاون للجنة عقوبات السودان المنشأة بنص القرار 1591 لعام 2005، حتى 12 مارس/آذار 2023. وكان القرار 1591 (2005)، قد جاء تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح للأمم المتحدة استخدام كل التدابير، غير المسلحة (المادة 41) والمسلحة (المادة 42)، لتنفيذ قراراتها. وفُرضت عقوبات ذات صلة بنزاع دارفور على الجهات الفاعلة فيه، شملت حظر الأسلحة وحظر السفر وتجميد الأصول، بالإضافة إلى تشكيل لجنة من الخبراء تقدم تقاريرها بانتظام إلى مجلس الأمن، وتقرر تحديد الأفراد والجهات التي تُنفذ العقوبات بحقها. وتضم هذه القائمة حتى الآن ضباطا في الجيش مثل اللواء جعفر محمد الحسن، القائد السابق للقوات المسلحة السودانية للمنطقة العسكرية الغربية، (وهو المنصب الذي تولاه لاحقا القائد العام للجيش حاليا عبدالفتاح البرهان)، وزعيم الجنجويد الشيخ موسى هلال.
كما تُدعم لجنة مجلس الأمن تلك من قبل فريق من الخبراء لمواصلة فرض الإجراءات ضد الأفراد والكيانات المعرقلة للسلام والاستقرار في إقليم دارفور.