في روايته الجديدة "حَيْزِيَة: زفرة العزلة الذبيحة" والمتوقّع أن يتزامن صدورها مع معرض الجزائر للكتاب نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل، يعيد واسيني الأعرج سرد أشهر قصّة حب في الجزائر بين حَيْزِيَة وسْعَيِّد وفق هواه الروائي، وهو هوى اعترض عليه البعض باعتباره يخالف السردية المتداولة عن هذه القصّة منذ مئة وخمسين سنة.
ينطلق المتخيّل الافتراضي لدى واسيني، بعد أبحاث وزيارات قام بها إلى موقع الأحداث المسرودة، من أنّ القصّة لم تكن بين حيزية أحمد بلباي (1855-1878) وسعيّد كما هو متداول وإنّما بين حيزية ومحمد بن قيطون (1843-1907) الذي خلّد الحكاية في قصيدته مستخدما اسم سعيّد كقناع له.
بدأ واسيني اهتمامه بحيزية الفارسة الهلالية منذ سنوات طويلة لكنّ هاجسه السردي معها ظهر منذ أن نشر مقالا في صحيفة "الجمهورية" الجزائرية يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019 تخيّل فيه أنّ حيزية زارته وأنكرت القصص المتداولة حولها وقالت: "أنا حبيبة ابن قيطون يا واسيني. معشوقة شاعر عرف كيف يجعلني تمثالا لغويا. وهو أهم من وصف جسدي لأنّه رأى بياضه تحت القمر، وحتى في الظلمة. منحته كلّ شيء، حتى عذريتي، فأصبح حبيبي، ومولاي وجنوني، وأصبحت روحه. هل تعتقد أنه بإمكان شاعر أن يكتب مرثية كالتي كتبها ابن قيطون دون أن يراني؟ هل ممكن؟ دون أن يرى حبيبته، أن يلمسها، أن يقبّلها، أن يعطي لجسدها الحي معنى؟ لا طبعا. الوسيط لن يكون إلا وسيطا في لغته وموسيقاه وتسطّح جنونه. أحتاج إلى أن يعاد لي الاعتبار. أن أكون أنا.".
بعد هذا المقال وفي الأعوام التالية تحدّث واسيني في ثلاث ندوات عن شخصية حيزية، وكتب مقالات ومنشورات في صفحته على "فيسبوك" يُستنتج منها أنه سيعيد التصوّر المعروف عن مصير حيزية والمتمثل في موتها اثر مرض مذكّرا باحتمالات أوردها باحثون تشير إلى أنّها قد تكون ماتت مسمومة بعد صراع بين قبيلتين أو أنّها ماتت كمدا بعد ابعادها عن حبيبها مع احتمال قتلها عقابا لتمرّدها وعشقها، إلاّ أن ندوة واسيني الرابعة في مكتبة قسنطينة (8 مايو/أيار 2023) بعنوان "حكاية حيزية روائيا/ المخيال الشعبي ودوره في تحرير السرد" بدت بمثابة الشرارة الأولى للهجوم على الكاتب إذ "أشعلت فتيلا ظل خامدا زمنا طويلا"، بحسب قول زينب ديف التي أعدّت كتابا بعنوان "فتنة حيزية/ واسيني في مواجهة عاصفة الرمال"، يتوقع أن يتزامن صدوره مع موعد نشر الرواية.
القصّة المتداولة عن حكاية الحب الأشهر في الجزائر استنادا إلى قصيدة ابن قيطون، تذكر أن سعيّد كان يتيما فكفله عمّه أبو حيزية أحمد بن الباي فكبر مع ابنة عمّه في بيت واحد كما كبر حبّهما فتزوجا لكنّ الموت سرعان ما خطف حيزية بعد مرضها فذهب سعيّد إلى الشاعر ابن قيطون ليكتب له مرثية في حبيبته
رصدتْ زينب في هذا الكتاب مقالات واسيني والردود عليها، سواء تلك التي اتفقت معه أو التي وقفت ضد إعادة صياغة الحكاية المتداولة، ولاحظتْ أن حيزية "تحوّلت من شخصية تراثية تاريخية خلّدتها قصيدة ابن قيطون إلى شخصية عامة مثيرة للجدال، تستفز الكثيرين وتثير الكثير من الفتن والتهم والنقاشات الحادّة التي خرجت من نطاق ابداء الرأي بتبصّر إلى قضية معقدة وصلت حدَّ الاتهام، بعد ردود فعل عمياء حول رواية لم تصدر بعد ولم يقرأها أحد". فالبعض "استيقظت فيه العصبية القبلية ونصب نفسه حارسا للدفاع عن شرف حيزية والقبيلة" ووصل الأمر إلى "التهديد والمطالبة بجمع التوقيعات لمنع الرواية، والتحريض على اسكات الكاتب وحتى محاكمته".
القصّة المتداولة عن حكاية الحب الأشهر في الجزائر استنادا إلى قصيدة ابن قيطون، تذكر أن سعيّد كان يتيما فكفله عمّه أبو حيزية أحمد بن الباي فكبر مع ابنة عمّه في بيت واحد كما كبر حبّهما فتزوجا لكنّ الموت سرعان ما خطف حيزية بعد مرضها فذهب سعيّد إلى الشاعر ابن قيطون ليكتب له مرثية في حبيبته. وهناك روايات أخرى أوردها واسيني في مقالاته تقول إنّ والد حيزية حين بلغه خبر عشقهما طرد سعيّد من القبيلة فهرب خوفا من الانتقام وبقي متخفيا، وأنّ حيزية لبست ذات يوم رداء رجاليا وذهبت إلى حبيبها إلاّ أن هذا الأخير حين رآها على هذه الهيئة ظنّها أحد رجال الشيخ بن الباي فأطلق النار عليها وقتلها. وبعد يوم مات حصانها حزنا عليها. وهناك من رأى أن أباها ضربها حتى الموت بعدما علم بقصّة حبّهما، وفي رواية أخرى قيل إنّها انتحرت. وقد تناول القصّة عدد من الأدباء مثل مايسة باي في روايتها "Hizya"(2015) ولزهاي لبتر في روايته "حيزية أميرة حب الزّيبان" Hiziya, princesse d'amour des Ziban (2017)، إضافة إلى فيلم "حيزية" للمخرج محمد حازورلي وأوبريت للشاعر عزالين ميهوبي (1995) وقصيدة للشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة بعنوان "حيزية عاشقة من رذاد الواحات" (1986). ويرى واسيني أنّ الذين تناولوا القصّة سابقا ظلّوا ملتصقين بالرواية المتداولة.
هكذا، بعد روايتي "كتاب الأمير" و"مي: ليالي إيزيس كوبيا- ثلاثمئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية" وغيرهما من الروايات التي يتكئ فيها واسيني الأعرج على خلفيات وشخصيات تاريخية، ها هو يقترب من قصّة الحب الأثيرة لدى الجزائريين، لكنّه اقتراب خطر صاحبه ردود واحتجاجات منذ أن كانت الرواية فكرة.
فإذا كان النقاش المطروح قد أفاد الكاتب، كما يبدو، في تسيير خططه السردية كاكتشافه أخيرا أنّ سعيّد شخصية حقيقية وأنّ له أحفادا في منطقة سيدي خالد القريبة من بسْكْرَة، فإنّ السؤال حول حرّية الكاتب في تناول مواضيعه، سواء كانت متكئة على شخوص حقيقيين أو متخيلين، يبقى مطروحا في ظل تحوّل الرقابة من هيمنتها الأولى، الحكومية والدينية، إلى الرقابة الاجتماعية باسم شرف القبيلة وسمعتها والحفاظ على العادات والتقاليد.
وإذا اعتبر البعض أنّ المشكلة تكمن في تغيير رمزية القصّة من (حبّ طاهر عفيف)، حسب تعبيرهم، إلى علاقة حب متمرّدة على التقاليد الاجتماعية، فإن واسيني الذي عُرف بتنظيراته واشتغاله في الرواية التاريخية يبدو أنّه قد خبأ في هذه الرواية مفاجأة للجزائريين ولقرائه في كل مكان.