لعل أبرز ما يميز هذه الرواية اختلاف أسلوب هاني نقشبندي فيها، إذ استخدم أسلوبا ساخرا لعرض مشكلات المجتمعات العربية والفجوة الواضحة بين الحكام والمحكومين، ليس ذلك فحسب بل وهشاشة أجهزة الأمن وما فيها من فساد وظلم، لاسيما وهم يلقون القبض على ذلك المواطن ويتهمونه بحيازة أسلحة خطيرة لم تكن سوى أجزاء غسالة قديمة لديه، وفي "المحفل" وأعضاؤه يظهر العالم الخلفي لرجال الحكم والمتنفذين الذين يسمع الزعيم/الحاكم نصائحهم، تلك التي تتحوّل من القبض على ذلك المواطن البسيط إلى الأمر بتحويله إلى بطل شعبي يلتف الشعب حوله فجأة، وكيف يتحوّل ذلك البطل إلى حاكم وديكتاتور آخر يقمع الثوار ويأمر بالقضاء عليهم، وكأن الكاتب يشير ولو بشكلٍ غير مباشر إلى أن حل مشكلات العالم العربي لا يكمن في تغيير القيادات والزعامات، وإنما في تغيير النفوس وتربية الشعوب على الديمقراطية منذ البداية.
طبطاب الجنة... العشق والموت
بعيدا من مشكلات الواقع السياسية أو الاجتماعية، يعود نقشبندي في روايته "طبطاب الجنة" (2015) إلى نسج حالة خاصة تجمع بين العشق والموت، ويأخذنا في رحلة مع بطل روايته "سليمان" العاشق في حكاية تبدو أغرب من قصص العشق العربية القديمة، فهنا رجل ماتت حبيبته سلمى ودفنت فلزم قبرها، لا يبتعد عنه ولا يتركه، حتى تقع في غرامه فتاة تعيش قريبا من منطقة المقابر تلك هي "غرسة" تحلم أن يحبها ذلك العاشق حبا يملك عليها حياتها على هذا النحو، نتعرّف في الرواية على حكاية "سليمان اليتيم" منذ قدومه إلى جدة وتربية أحد الموسرين له واعتماده عليه في تجارته، حتى تعرف على ابنته سلمى وصارت رفيقته، تربّى معها وكبرا سويا، وبدا أن الحياة تبتسم لهذا المسكين وتمنحه بعض البهجة والسعادة، إلا أن الأمر لم يستقر له، فما إن اشتدّ عوده وأصبح شابا حتى رفضت أم سلمى أن يبقى في بيتهم، وما هي إلا أيام حتى ماتت سلمى.
وهكذا يأخذنا نقشبندي إلى حكاية شاعرية مختلفة تجمع بين الحب والموت وتتعرّض إلى صراع الحياة والموت، ويرسم أسطورة عشق عربية جديدة، ومثلا فريدا في الفناء في المحبوبة حتى النهاية، فإذا كان لدينا مجنون ليلى وحكاية عنتر وعبلة، فهذا سلومي وسلمى رغم أن الأخيرة سرعان ما يغيبها الموت، إلا أن قصة الحب تبقى وتتوارثها الأجيال، بل وتبقى مفاجأة "غرسة" في النهاية أن ذلك المحب لا يتخلى عن مكانه بجوار محبوبته حتى الموت.
الخطيب... وقفة أمام التطرف الديني
لاشك أن قضية التطرف الديني واستغلال بعض الدعاة وأصحاب المناصب الدينية مواقعهم من أجل فرض وصايتهم وسيطرتهم على الناس، من أهم الفضايا وأخطرها تأثيرا في المجتمعات العربية عموما والسعودية بشكل خاص، لذلك أراد هاني نقشبندي أن يعالج هذه القضية وأن يتناولها بشكل جاد وجريء في روايته "الخطيب" (2017)، وفيها يفاجأ خطيب الجمعة بأن الناس لا يستمعون إلى خطبته، وأن لا فرق لديهم بين خطبة مكرّرة وأخرى جديدة، ومن هذه الصدمة يبدأ في التركيز ومحاولات التأثير على المستمعين، أملا في استعادة مكانته وفرض وصايته من جديد.
يعرض نقشبندي من خلال الرواية ما في تلك المؤسسات الدينية من فساد، وما قد تحتويه من حواضن للإرهاب والتطرّف، إذ يتحول الخطيب من رجل يدعو إلى الحفاظ على النفس والالتزام بتعاليم الإسلام إلى محرّض على العنف والقتال ضد من يسميهم العلمانيين والمتغربين، والنتيجة أن المستمعين ينصتون إليه في هذه الحالة باهتمام بل ويتزايد حضور الناس في خطبته ويتداولون اسمه بينهم، وهكذا يتحول الخطيب من داعية للدين الإسلامي وتعاليمه السمحة إلى داعية من دعاة التكفير والقتال، وكل ذلك يتم في المسجد وباسم الدين، وتحت سمع وبصر المسؤولين عن تلك المؤسسات الدينية.
قصة حلم... من الفانتازيا إلى الواقع
تختلف هذه الرواية عن كل ما سبق أن قدّمه هاني نقشبندي، ليس فقط في فكرتها وموضوعها، بل في أسلوب كتابتها حتى، فقد بدأت كمسلسل تلفزيوني، عرض على شاشات التلفزيون في رمضان 2019 باسم "صانع الأحلام" من بطولة مكسيم خليل وإخراج محمد عبد العزيز، كتب له السيناريو والحوار بشار عباس، ثم كتب نقشبندي الرواية عام 2020.
تتحدّث الرواية عن عالم فيزياء شهير يدعى إسماعيل عمران يفسّر الأحلام ويكتشف طريقة تجعله يسيطر على أحلامه بل وأحلام الآخرين، ومن خلال تلك الفكرة يناقش نقشبندي عددا من الأفكار المتعلقة بحياة الإنسان ومصيره وأثر الأحلام عليه وقدرته على التحكم في مستقبله، هل تمكنه الوسائل العلمية المتقدّمة بالفعل من التحكم في عالم الأحلام، ذلك العالم الخفي الذي لا يدرك أحد طبيعته وأسراره. يخوض إسماعيل رحلة طويلة، ويتنقل من القاهرة إلى السعودية ومنها إلى اسطنبول والمغرب ليدرس عددا من الظواهر الغير طبيعية في كل بلد، ويحضر مفسّر الآحلام الأشهر ابن سيرين ويتداخل الماضي بالحاضر والواقعي بالفانتازي، ويضيف إلى ذلك كله التفسيرات العلمية ومصطلحات الفيزياء وحساب الجُمل وغيرها من علوم العرب القدماء، كل ذلك في سرد روائي شيق يمسك بالقارئ من أول صفحة في الرواية متتبعا ما فيها من مفاجآت وانتقالات وتغيرات حتى نهايتها.