أعلنت أوكرانيا أن قائد الأسطول الروسي في البحر الأسود الأميرال فيكتور سوكولوف قتل في هجوم صاروخي شنته على مقر قيادة الأسطول في مدينة سيفاستوبول، في واحدة من الهجمات متزايدة الجرأة على شبه جزيرة القرم. وقالت القوات الخاصة الأوكرانية في رسالة على منصة "تليغرام" إن الهجوم أدى إلى مقتل 33 ضابطا آخر واختير توقيته بالتزامن مع اجتماع عسكري في المقر. وقد أصيب 105 عسكريين روس في القصف الصاروخي ذاته.
لم تعلق السلطات الروسية لكنها عرضت صورا من اجتماع لوزير الدفاع سيرغي شويغو مع قادة القوات المسلحة وظهر فيه سوكولوف على شاشة اتصال بالفيديو غداة حملة قصف صاروخي عنيف على ميناء اوديسا اعتبرت ردا على الصواريخ الاوكرانية ضد سيفاستوبول.
وعندما شنت روسيا غزوها واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، لم تكن المواجهة في البحر الأسود في مقدمة الاعتبارات بالنسبة لكثير من المراقبين. وكان الميزان العسكري يميل دائما (على الورق على الأقل) لصالح روسيا. ولكن ميزة موسكو الكبرى كانت بالتأكيد تفوقها في البحر، إذ إن أوكرانيا تكاد لا تمتلك أي قوة بحرية.
ومع ذلك، رأينا أوكرانيا تشن، على مدى الأسابيع الماضية، حملة عسكرية جريئة في البحر الأسود بهدف إزالة القبضة البحرية الروسية الخانقة على البلاد. ووصل الأمر حدّ شنّ القوات الأوكرانية هجمات صاروخية على الأحواض الجافة في سيفاستوبول، مما ألحق أضرارا كارثية بسفينتين روسيتين: الغواصة "روستوف نا دونو"، من طراز "كيلو"، وسفينة الإنزال "مينسك"، من طراز "روبوتشا". وتظهر صور ما بعد الحادث أن السفينتين لن تكونا على الأرجح قابلتين للإنقاذ، ما يعني أن روسيا قد خسرت أول غواصة لها في القتال منذ الحرب العالمية الثانية.
كانت تلك ضربة غير مسبوقة استهدفت اثنتين من أهم القطع الحيوية للأسطول الروسي؛ فالغواصة من طراز "كيلو" كانت تستطيع الاقتراب من السواحل الأوكرانية وإطلاق صواريخ كروز في عمق أوكرانيا دون أن تكون مكشوفة مثل أي سفينة سطحية. وفي العام الماضي، عرفت روسيا تكلفة الاقتراب أكثر مما ينبغي من سواحل أوكرانيا، حين أرسلت في أبريل/نيسان سفينة رئيسة في البحر الأسود، هي "موسكفا"، إلى مدى الصواريخ الأوكرانية، متجاهلة الإشارات بأن أوكرانيا طورت صاروخا بحريا جديدا قادرا على ضرب السفن الروسية التي تقترب من السواحل الأوكرانية، وكان أن انتهت سفينة "موسكفا" في قاع البحر.
ومع اقترابنا من فصل الشتاء، من المرجح أن تستأنف روسيا هجماتها ضد البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، ولذلك فإن إزالة منصة إطلاق صغيرة ولكنها مهمة تعد أكثر من مجرد انتصار رمزي.
والشيء بالشيء يذكر، فقد وجهت أوكرانيا أيضا ضربة عنيفة لسفينة الإنزال من طراز "روبوتشا". وكما يوحي الاسم، فإن هذه السفن مصممة لعمليات الإنزال البرمائي ويمكن أن تهدد بالاستيلاء على ميناء أوديسا الأوكراني. وعلى الرغم من أن هذا التهديد قد تضاءل الآن، نظرا لمدى تعقيد عمليات الإنزال هذه وانكشافها، إلا أن ذلك لا يعني ضمنا أن سفن الإنزال فقدت فائدتها فجأة، بل إن روسيا تستخدمها في الواقع كسفن لوجستية لنقل المواد والمركبات عبر البحر الأسود وبحر آزوف. إنها إذن تلعب دورا حاسما في توفير المعدات الأساسية للقوات الروسية المشاركة في مواجهة الهجوم الأوكراني المستمر جنوبي أوكرانيا.
ولا يقل أهمية عن ذلك الهدف الثالث وهو أحواض سيفاستوبول الجافة الضرورية لأغراض الإصلاح والصيانة. في حين أن الأحواض الجافة نفسها لا يبدو أنها تعرضت لأضرار جسيمة، إلا أن قابليتها للاستخدام على المدى القريب قد تظل معرضة للخطر. وواقع الأمر أنه ما لم يتم إصلاح السفينتين المتضررتين (وهو ما لا يبدو ممكنا)، فإنهما ستكونان عائقين أمام الوصول إلى منشأة الإصلاح والصيانة المهمة هذه، والتي لا تمتلك روسيا الكثير منها بعد أن تخلت عن خطة التحديث الكامل لقاعدة الإصلاح الأخرى في المنطقة- على وجه التحديد ميناء نوفوروسيسك- بعد ضم شبه جزيرة القرم. وبعبارة أخرى، حققت الضربة الأوكرانية على سيفاستوبول ثلاثة أهداف استراتيجية في ضربة واحدة.