اختار تنظيم القاعدة الذكرى السنوية لهجمات 11 سبتمبر/أيلول، ليعلن عن كتاب كبير باللغة العربية مكون من 381 صفحة من تأليف سيف العدل، الزعيم الجديد المحتمل للتنظيم. ويؤكد هذا الكتاب أهمية الاستراتيجيات المرنة القابلة للتكيف، كاشفا بذلك عن التحول في الروح الجهادية، ومشددا على أهمية الإبداع والمرونة والنقد الذاتي كعناصر حاسمة لتحقيق النجاح. والأهم من ذلك، أن الكتاب نافذة فريدة ترينا تفكير وتكتيكات تنظيم القاعدة المتطورة.
ويأتي إصدار هذا الكتاب، الذي يحمل عنوان "قراءة حرة في كتاب استراتيجيات الحرب الـ33"، في لحظة من عدم اليقين داخل قيادة تنظيم القاعدة؛ فقد أعلنت الولايات المتحدة عن مقتل أيمن الظواهري، الزعيم السابق للتنظيم، في كابول يوم 31 يوليو/تموز 2022. فيما تشير بعض التقارير إلى أن محمد صلاح الدين زيدان، وهو الاسم الحقيقي لسيف العدل، ربما تولى القيادة، وما زلنا بانتظار أن يؤكد تنظيم القاعدة ذلك رسميا. ومن المرجح أن يشير ظهور العدل كزعيم، إذا تأكد، إلى تحول في أسلوب قيادة الجماعة.
وينقسم كتاب سيف العدل، الذي ألفه بين عامي 2017 و2022، إلى خمسة أقسام رئيسة، يحتوي كل منها على مجموعة متنوعة من الفصول. ويغطي طيفا واسعا من المواضيع الاستراتيجية، بدءا من تطوير مهارات القيادة وتعزيز ديناميكيات الفريق إلى استكشاف تقنيات حرب العصابات والفروق الدقيقة في الحرب النفسية.
ويحفل الكتاب بتأويلات سيف العدل وتفسيراته لكتاب "استراتيجيات الحرب الـ33"، وهو عمل للمؤلف الأميركي من أصل يهودي، روبرت غرين. ومن المثير للاهتمام أن العدل معجب برؤى غرين، بينما ينتقد علنا العناصر التي تتعارض مع مبادئ "القاعدة" والتعاليم الإسلامية. إلا أنه يصر مع ذلك على أن بوسع الجهاديين أن يستفيدوا من نظريات الكتاب حول الاستراتيجية والسلطة والحرب.
كتابات سيف العدل على العموم- وهذا الكتاب على الخصوص- تلقي الضوء على التحول البيّن في الفكر الاستراتيجي لتنظيم القاعدة
كتابات سيف العدل على العموم- وهذا الكتاب على الخصوص- تلقي الضوء على التحول البيّن في الفكر الاستراتيجي لتنظيم القاعدة. وعلى عكس أيمن الظواهري، الذي غالبا ما ركز على المسائل النظرية والدينية، يقدم العدل نفسه كخبير استراتيجي. إذ يدعو إلى الابتعاد عن الالتزام الصارم بالخطط المألوفة، ويحث الجهاديين على التفكير خارج الصندوق وعلى التصرف على نحو غير متوقع. ويهدف هذا النهج إلى إبقاء العدو في حالة من عدم التوازن، مما يجعل التنبؤ بتحركات الجهاديين أمرا شبه مستحيل.
وتحتل القيادة مكانة محورية في رؤية سيف العدل. فهو يشدد أن على القادة داخل الجماعات الجهادية أن يمتلكوا مزيجا من المعرفة والخبرة والمقدرة على كسب الاحترام والولاء. وأن على القادة الفاعلين، كما يرى العدل، أن يتقبلوا أيضا ما يأتيهم من الأعضاء العاديين، مما يعزز ثقافة العمل الجماعي داخل المنظمات الجهادية.
إن فلسفة سيف العدل الاستراتيجية لا تشجع أبدا الهجمات على أهداف مدنية. وحجته في ذلك أن مثل هذه الأعمال تتعارض مع المبادئ الإسلامية وتقوض قبول دعوتهم إلى الإسلام؛ "إذا استهدفنا عامة الناس، فكيف يمكننا أن نتوقع من شعوبهم قبول دعوتنا إلى الإسلام؟". وبدلا من ذلك، يحث الجهاديين على التركيز على عناصر الأمن والجيش، إضافة إلى المؤسسات الحكومية، التي يراها أهدافا مشروعة.
ويبرز سيف العدل أهمية خلق الفوضى عبر هجمات منسقة على نحو جيد يبث الخوف في الحكومات والمجتمعات المعادية، ومنها الحكومات الغربية وإسرائيل، و"عملاؤهما" المحليون في الدول ذات الغالبية المسلمة. ويرى أن الهجمات لا يمكنها أن تكون ناجحة أو يكون لها تأثير حقيقي على العدو، ما لم تنفذ على نحو متسلسل، ترافقها آلة دعائية قوية تبث الرعب، "حتى يشعروا أن لا مكان آمنا". فهو يركز كثيرا طوال كتابه على أهمية الحرب النفسية في كسر الأعداء.
ويتناول الكتاب أيضا مسألة الشركاء السابقين الذين قطعوا علاقاتهم مع تنظيم القاعدة، وينتقد ضمنيا تصرفاتهم. ويؤكد العدل أن قيادة الجماعة يجب أن تكون سباقة وحازمة في مبادرتها إلى قطع العلاقات مع هؤلاء الشركاء، أو في طرد العناصر المشتبه بها من صفوفها فورا. ومن الملاحظ أن وجهة نظره هذه قد تشكل انتقادا غير مباشر لتعامل تنظيم القاعدة السابق مع الجماعات التابعة له، وخاصة "داعش" و"هيئة تحرير الشام"، وهو تعامل نظر إليه على أنه بطيء وغير حاسم في عهد الظواهري.
ويولي العدل أهمية كبرى للجماهير الإسلامية بوصفهم الشركاء المثاليين للجماعات الجهادية، ويعزز الاستراتيجية التي تركز على كسب قلوب وعقول الناس في المجتمع الإسلامي الأوسع، بما ينسجم مع النهج التقليدي لتنظيم القاعدة.
يولي العدل أهمية كبرى للجماهير الإسلامية بوصفهم الشركاء المثاليين للجماعات الجهادية، ويعزز الاستراتيجية التي تركز على كسب قلوب وعقول الناس في المجتمع الإسلامي الأوسع، بما ينسجم مع النهج التقليدي لتنظيم القاعدة
أما نتائج هذه التحولات الاستراتيجية على تصرفات التنظيم وتحالفاته، فليست مرئية بعد. إلا أن الخطر المحتمل الذي يشكله، ولا سيما إذا اقترن مع قيادة سيف العدل، ينبغي أن لا يستهان به. ومن الممكن أن تقود هذه النتائج إلى تنظيم أكثر دينامية وأقل جمودا من الناحية الآيديولوجية. والتحليل اليقظ والدقيق لمثل هذه المواد أمر لا غنى عنه في فهم ومواجهة التهديد المتطور الذي يفرضه تنظيم القاعدة والجماعات ذات العقلية المشابهة لعقليته.