دُهشت، حين رأيت للمرة الأولى في حياتي عائلة حمصية كاملة، كانوا عائلة خال صديقي في المدرسة الإعدادية الذي سألنا: هل تريدون رؤية الحماصنة؟ ذهبنا لرؤية عائلة حمصية كاملة في حلب، كانوا أربعة: أب مهندس في مصفاة حمص، وأمّ مدرّسة رياضيات، وفتى من جيلنا وفتاة مراهقة تكبرنا بسنتين، كانوا يبتسمون بلطف رأيته مبالغا فيه.
تحاشينا سرد النكات التي تبدأ بالجمل الآتية: "كان واحد حمصي، في واحد حمصي، حمصي..."، لنفاجأ بالأب يروي إحدى هذه النكات ويضحك قبل الجميع، كأنه يعلن هويته لنا نحن الذين نتهامس، متفاجئين بأن البشر الذين يحبون الضحك هم بشر مثلنا نحن سكان مدينة حلب المتجهّمة، البالغة الجدّية، التي تتعاطى مع كلّ شيء كمشروع خطير يجب تفنيده وإعادة اختراعه من جديد على الطريقة الحلبية، وتتبنّى المثل القائل "الضحك بلا سبب قلة أدب" ترفعه في كل مكان، في مدارسها وجامعاتها وشوارعها وبيوتها ومصانعها. أما في الطرف الآخر، فكان الفتى الصغير مع أخته، يحاولان إيجاد طريقة للتفاهم معنا، لكنهما فشلا، كانا يتحدّثان ببساطة ولطف ونحن لا نخرج من تكلّفنا واستعراضنا لمعارفنا.
منذ طفولتي بدأت ككل السوريين، أضع الحماصنة في موضعهم المفضل من قلبي، فهم لا يشبهون أحدا، محبوبين، ظرفاء، متسامحين، إلخ... نستطيع تعداد الكثير من الصفات الإيجابية التي حوّلت حمص عبر التاريخ إلى مدينة تكاد تكون الوحيدة المتفق على محبتها بين كل السوريين، نادرا ما تقابل أحدا يكره حمص، كبرنا وكبر حب حمص معنا، نتبادل نوادرها، طرائفها التي يخترعها ويروّجها الحماصنة عن أنفسهم، كإعلان هوية، وبحث عميق ودروس للآخر حول السعادة والحياة الخفيفة التي يجب أن نعيشها دون التفكير كثيرا في عواقبها.