انتخابات 2024: الأميركيون يستعدون لموسم فضائحي

أما الرئيس بايدن، فعلى الرغم من عدم وجود منافس له في الحزب الديمقراطي، إلا أنه يواجه كثيرا من التحديات. وبصفته الرئيس الحالي، يتمتع بايدن ببعض المزايا التي تجعل من ترشيح حزبه له لانتخابات 2024 أمرا شبه مؤكد، على الرغم من التحديات البسيطة التي يواجهها من المنافسين الأقل شأنا، ومن مرشح حزب ثالث من اليسار. ومع ذلك، لا تزال شعبية بايدن متدنية نسبيا، كما تراجعت معدلات تأييده إلى حد كبير منذ خريف عام 2021. واليوم باتت أغلبية الأميركيين تعترض عليه، بل إنه يواجه تشكيكا كبيرا داخل حزبه حول قدرته على قيادة البلاد. ويعتقد ثلثا الناخبين الديمقراطيين (67 في المئة) أن على الحزب ترشيح شخص آخر غير بايدن. وعلاوة على ذلك، فإن عمره وقدرته العقلية يثيران القلق بين كثير من الناخبين.

وكأن ذلك لا يكفيه، فإضافة إلى هذه التحديات، ثمة أيضا القضية الجنائية ضد نجله هانتر بايدن والتحقيق الجديد الذي أطلقه الجمهوريون في مجلس النواب، والذي يعتقدون أنه سيؤدي إلى اتخاذ إجراءات عزل ضد بايدن. هناك الكثير من الغموض الذي يخيم على مسار إعادة انتخاب بايدن في العام المقبل.

الفارق في السباق الرئاسي ضئيل جدا، ولا تزال أميركا منقسمة بشكل حاد وفق الخطوط الحزبية والآيديولوجية؛ فعلى الرغم من أن الوقت ما زال مبكرا جدا في الحملة الانتخابية، فإن أحدث استطلاعات الرأي تشير إلى تعادل بايدن وترمب على المستوى الوطني. فضلا عن ذلك، فإن نظام إحصاء المجمع الانتخابي، وهو الآلية المحورية لتحديد منصب الرئاسة، يعكس منافسة أكثر صرامة. كما أن السيطرة على مجلسي الكونغرس معلقة أيضا في الهواء، فلا يعرف أحد مصيرها.

المزاج الوطني معكر، والقطاعات الرئيسة من الناخبين غير متحمسة للمشاركة في التصويت. تتعلق الدينامية الرابعة في الحملة الانتخابية لعام 2024 بحقيقة أن معظم الناخبين يعتبرون الحزبين السياسيين الرئيسين متطرفين للغاية فيما يتعلق بالقضايا الثقافية والاقتصادية، وهذا ما طرحه جون هالبين مؤخرا في موقع "ليبرال باتريوت". وتهيمن الأصوات الحزبية والآيديولوجية المتشددة على كلا الحزبين، مما يثير استهجان الناخبين الأميركيين الذين يبحثون عن أصوات أكثر اعتدالا. كما أنه يخلق دوافع للانسحاب من الحياة السياسية، إذ عبّر نحو نصف الناخبين الشباب في استطلاع للرأي أجري مؤخرا عن انخفاض أو فتور دوافعهم للمشاركة في التصويت.

يكاد الشرق الأوسط أن يكون غائبا عن الساحة ويعتبر في الغالب عائقا سياسيا في المشهد السياسي الحالي، لا يتم  ذكر قضايا سياسة الشرق الأوسط سوى ضمن نخبة ضيقة من الخبراء والشخصيات الإعلامية الذين يركزون اهتمامهم على جوانب مختلفة من سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ويحدث هذا النقاش الضيق أساسا في واشنطن العاصمة، ويعكس الانقسامات السياسية الداخلية أكثر من تركيزه على النقاشات السياسية الفعلية حول دور الولايات المتحدة في المنطقة.

وفي الواقع، غالبا ما يعتبر الشرق الأوسط كعامل يشكل عائقا وتحديا لزعيم سياسي محدد، وهذا ما يفسر تحدث سَلَفي بايدن: دونالد ترمب، وباراك أوباما، بشكل متكرر عن ضرورة خروج الولايات المتحدة من المنطقة وتشجيع الأطراف الإقليمية الفاعلة على تحمل المزيد من المسؤولية لشؤونها الداخلية والاعتماد بدرجة أقل على الولايات المتحدة. وتبنى بايدن هذه الرؤية خلال عامه الأول في الحكم، لكنه غير مساره بعد ذلك في عام 2022 وجعل فريقه ينخرط بشكل أوثق في بعض القضايا الرئيسة بما في ذلك دعم اتفاق التطبيع المحتمل بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.

ومع ذلك، يرى معظم الأميركيين أن منطقة الشرق الأوسط تشكل تحديات وخطورة أكبر بكثير من الفرص التي تقدمها؛ فمن الناحية الاقتصادية، يُولى الأميركيون اهتماما كبيرا لقضايا الاقتصاد المحلية مثل التضخم، ويعتبرون أن التهديد بارتفاع أسعار الغاز يمكن أن يكون طريقة من طرق الشرق الأوسط في التأثير بشكل سلبي على الحوار السياسي الأميركي. أما من الناحية الأمنية، فإن فكرة انخراط الولايات المتحدة في حروب مكلفة وطويلة في منطقة الشرق الأوسط، تسحب القوات الأميركية إلى هناك وتعرض حياة الأميركيين للخطر، تثير قلقا كبيرا بين الأميركيين، وهذا نتيجة للحروب الطويلة في أفغانستان وإيران ومناطق أخرى في الشرق الأوسط.

وحتى الأميركيون الذين يتابعون السياسة ويشاركون في حملة 2024، لا يرون في الاستثمار في اتفاقات السلام والتطبيع في الشرق الأوسط فوائد كبيرة. ويمكننا تذكر ثلاثة رؤساء أميركيين خدموا لولاية واحدة فقط وقاموا بتخصيص الكثير من الوقت والجهد للعمليات الدبلوماسية في منطقة الشرق الأوسط خلال فترة ولايتهم الرئاسية، ولكنهم لم ينجحوا في الفوز بولاية رئاسية ثانية. فالرئيس جيمي كارتر، مثلا، نجح في المساعدة في التوسط في صفقة تاريخية بين إسرائيل ومصر، لكنه فشل في الحصول على دورة رئاسية ثانية عام 1980. وقاد الرئيس جورج إتش دبليو بوش حملة عسكرية ناجحة وغير مكلفة نسبيا لطرد العراق بقيادة صدام حسين من الكويت، وأطلق عملية السلام في مؤتمر مدريد عام 1991، لكنه لم ينجح في الانتخابات الرئاسية في العام التالي. وأخيرا، أقام دونالد ترمب حفل توقيع على اتفاقيات أبراهام خريف عام 2020 قبل أسابيع قليلة من خسارته للانتخابات الثانية.
فشل هؤلاء الرؤساء الثلاثة السابقون في محاولاتهم لإعادة انتخابهم لأسباب أخرى غير الشرق الأوسط، ولكن تحقيقهم لبعض النجاحات في المنطقة لم يؤد إلى تعزيز وضعهم لدى الناخبين الأميركيين.

وفي الختام، يُظهر الواقع أن معظم الناخبين الأميركيين يشعرون بعدم الرضا حيال الوضع داخل الولايات المتحدة والخيارات المتاحة لحملة 2024. كما يشعر الناخبون أيضا بعدم الرضا تجاه كيفية عمل وسائل الإعلام والأحزاب السياسية، وتتمركز معظم مخاوفهم حول الأحداث والقضايا التي تحدث داخل بلادهم. ولكي تصبح منطقة الشرق الأوسط أكثر أهمية في السياسة الأميركية، يجب أن تقدم شيئا مختلفا عن الصراعات المعتادة والمشاكل المعهودة التي قدمتها في العقود السابقة. ويمكن لصورة مشرقة للمنطقة– تعكس التوجهات الإيجابية في المنطقة وتوضح للأميركيين الفائدة التي يمكن أن يحصلوا عليها من منطقتهم إن باتت أكثر أمانا وازدهارا– أن تلعب دورا مهما في تغيير النقاش في الولايات المتحدة، ولكن الفرصة لتحقيق ذلك تبدو ضئيلة في الوقت الحالي وحتى انتخابات العام المقبل.