انهت مرحلة ما بعد التوترات والصراعات التي سادت منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا عهد "سخاء" دول مجلس التعاون الخليجي. فقد انقضى عهد الدول التي تمثل المتنفس والمنفذ أمام دول المنطقة المتعثرة ماليا، وذهب زمن العطاء المجاني الى غير رجعة، وحلت محله سياسات جديدة رسمت أسسا أخرى للتعاون الإقليمي، قاعدته المصالح والمنفعة المتبادلة وفق نموذج يقوم على دور مركزي للصناديق الاستثمارية السيادية. هذه المقاربة تترسخ وقد يشكل الأردن، الذي يتحسس طريق النجاح، تجربة نموذجية يقابلها تعثر في مصر.
تلك وغيرها من المسائل ناقشها تقرير بعنوان "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: حالة التعاون ما بعد التوترات في المنطقة"، أصدره مركز "ثينك" (Think) للأبحاث والاستشارات، التابع للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، على هامش "منتدى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، الذي نظمه للسنة الثانية على التوالي بالتعاون مع معهد الشرق الأوسط (MEI) تزامنا مع الاجتماعات الرفيعة المستوى للجمعية العامة الـ 78 للأمم المتحدة، وسلّط الضوء على سُبل التعاون بين دول المنطقة على صعيد الجغرافيا والسياسة والاقتصاد والطاقة.
استعرض التقرير أوجه التغييرات في سياسات دعم دول مجلس التعاون الخليجي الموجهة إلى دول المنطقة التي تطورت، وفق التقرير، من تقديم مساعدات مالية غير مشروطة على أساس العلاقات الديبلوماسية أو الاستراتيجية، نحو منهج يعطي الأولوية للاستثمارات ذات الجدوى والمردود الاقتصادي والمالي المرتفع، بهدف "ضمان ثرواتها ونموها".
نحو آفاق واعدة أوسع
يبين التحول المنهجي في العلاقات الاقتصادية بين دول المنطقة انها صارت أكثر استدامة وخدمة للمصالح الوطنية للطرفين وخططهما التوسعية، كذلك يشير إلى توجه سائد للخروج من تحت مظلة الغرب، الولايات المتحدة تحديدا، وتعميق العلاقات الاقتصادية والتنموية والسياسية مع فرقاء غير غربيين مثل الصين والهند وروسيا، آخر مظاهرها، كان دعوة المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر للانضمام إلى "بريكس" في أغسطس/آب الماضي. ليست تلك العلاقات بجديدة، فالإمارات مثلا، التي تهدف منذ زمن بعيد لأن تكون مركزا لوجستيا استراتيجيا، أصبحت ركنا أساسيا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، مع استثمار الصين في الموانئ والمطارات وشبكات النقل الإماراتية، حيث يمر نحو 60 في المئة من تجارة الصين مع المنطقة عبر الإمارات.
يتكامل التعاون بين دول المنطقة بحسب التقرير مع تشارك هموم تغير المناخ، وهناك العديد من هذه الدول التي انضمت إلى 130 دولة أخرى في العالم في التعهد بالوصول إلى "صفر كربون" في الفترة ما بين 2050-2060، وكذلك هموم أنظمة الطاقة التي تزداد تعقيدا، وتؤجج التحديات الاقتصادية، ليصبح تقاسم الموارد المالية والتكنولوجية ضروريا وحتميا للتكيف مع التغيرات ووضع حلول مبتكرة لتخزين الطاقة وإدارة أكثر كفاءة للطلب عليها.