أطلقت وزارة الدفاع الأذربيجانية، في التاسع عشر من سبتمبر/أيلول، ما وصفته بعملية "مكافحة الإرهاب" في منطقة ناغورنو كاراباخ، المتنازع عليها، وطالبت "بالانسحاب الكامل للقوات القومية الأرمينية وحل الحكومة في ستيباناكيرت".
وعقب قتال دام طوال اليوم، وافقت قوات كاراباخ على وقف إطلاق النار، الذي حددته أذربيجان ووزارة الدفاع الروسية، ما يسمح لباكو باستعادة السيطرة على الأرض.
وقال رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، إن أرمينيا لم تشارك في إعداد اتفاق وقف إطلاق النار. ولا شك في أن تفاصيل هذه القضية ستستغرق المزيد من الوقت لتظهر إلى النور، فمن الواضح أن أذربيجان أصبحت الآن صاحبة اليد العليا في صراعها الممتد لأكثر من ثلاثة عقود مع أرمينيا. وقد تمكنت باكو، عبر استخدام القوة، من تحقيق هدف سياسي يتمثل في استعادة الأراضي. وباتت كاراباخ منطقة معترفا بها دوليا كجزء من أراضي أذربيجان، على الرغم من ذلك النزاع المستمر مع أرمينيا حول السيطرة عليها لأكثر من ثلاثة عقود.
ويأتي العمل العسكري الأخير بعد أشهر من التوترات المتزايدة، وتبادل الاتهامات بين الجانبين بالحشد العسكري، في الوقت الذي أقدمت فيه القوات الأذربيجانية على حصار ممر لاتشين، الطريق الوحيد الذي يربط كاراباخ بأرمينيا.
وتسبب هذا الحصار في أزمة إنسانية كبيرة، فيما تصرح أذربيجان بأن المسؤولين في كاراباخ قد رفضوا المساعدات الأذربيجانية. ومهما يكن من أمر فقد بدأت الآن، بعد اتفاق وقف إطلاق النار، المحادثات حول إعادة دمج منطقة كاراباخ بأذربيجان.
وعلى مدار العام المنصرم كان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قد شارك في الجهود المبذولة للتوسط بين الطرفين لعقد اتفاق سلام، فيما بدا أنه الجهد الواعد للتوصل إلى انفراج حقيقي منذ سنوات. وكان بلينكن قد دعا باكو، في وقت سابق، إلى إنهاء عملياتها العسكرية "المريعة" في كاراباخ.
ويظل السؤال الأكبر هو: ماذا تعني هذه الأحداث الأخيرة بالنسبة لمعاهدة السلام المستقبلية بين أرمينيا وأذربيجان؟ وكيف وصل الوضع إلى هذه الحدود؟
تعود جذور الصراع الحديث حول ناغورنو كاراباخ إلى فترة انهيار الاتحاد السوفياتي، وهناك من المؤرخين من يعود بها إلى جوزيف ستالين (وهو نفسه من جنوب القوقاز) الذي أشرف بصفته مفوض القوميات في العشرينات من القرن الماضي على تقسيم الاتحاد السوفياتي. وهو تقسيم رسم الحدود الإدارية دون مراعاة أماكن وجود المجموعات العرقية بهدف الحد من نفوذها السياسي وتطلعاتها القومية المحتملة؛ ففي عام 1923 قام ستالين بدمج منطقة ناغورنو كاراباخ، ذات الأغلبية العرقية الأرمنية، في جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفياتية (وقبل ذلك أيضا كانت كاراباخ موضوع نزاعات. فبعد انهيار الإمبراطورية الروسية عام 1917، على سبيل المثال، خاضت أرمينيا وأذربيجان حروبا قصيرة على كاراباخ، التي كانت خاضعة لإدارة مستقلة ذاتيا).
وبينما كان عقد الاتحاد السوفياتي ينفرط، طفت التوترات طويلة الأمد على السطح، وأدت إلى الحرب الأولى بين أرمينيا وأذربيجان، عندما استعادا استقلالهما. ولم تنته الحرب إلا عام 1994 بعد وقف إطلاق النار بوساطة روسية، وانتصار أرمينيا العسكري. وتجاوز عدد اللاجئين بسبب الحرب مليون شخص من كلا الجانبين. وكانت القوات الأرمينية قد تمكنت من السيطرة على كاراباخ والعديد من المناطق المجاورة الكبيرة. وفي هذه الفترة كانت المنطقة تحت حكم العرقية الأرمنية الانفصالية التي أعلنت أنها جمهورية، سرعان ما دعمتها الحكومة الأرمينية. وظلت كاراباخ (أو آرتساخ كما يسميها الأرمن) معترفا بها دوليا كجزء من أذربيجان، لكن النزاع حول هذه المنطقة ظل قائما لسنوات على شكل قتال متقطع بين الجانبين.