كانت "المسؤولية عن الحماية" (R2P- Responsibility to Protect) تعتبر روح العصر في العلاقات الدولية في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. وبعدما وقف المجتمع الدولي متفرجا على الأحداث المؤلمة لعمليات الإبادة الجماعية في رواندا ويوغوسلافيا السابقة، انضم القادة والمعلقون والباحثون وغيرهم إلى نداءات تطالب بعدم تكرار مثل تلك الكوارث.
ومع ذلك، منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، بات ذكر مفهوم "المسؤولية عن الحماية" نادرا في الأوساط نفسها. وللأسف، لم يعد العالم مستقرا، إذ يستمر حدوث أشكال مماثلة من القتل الجماعي وانتهاكات حقوق الإنسان التي دعت إلى تطوير "المسؤولية عن الحماية". وشهدت الصراعات الأخيرة في إثيوبيا وأذربيجان وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومنطقة الساحل مزاعم بارتكاب أنواع الجرائم التي كان من المفترض أن يمنع مبدأ "المسؤولية عن الحماية" حدوثها، بينما تعرضت المجموعات العرقية والدينية للاضطهاد في ميانمار والصين والسودان ومناطق أخرى. ولكن، يبدو أن العالم قد تجاوز هذا المفهوم؛ فعلى الرغم من قيام منظمات حقوق الإنسان بتسليط الضوء على الانتهاكات التي ترتكب في أماكن مختلفة حول العالم، ورغم تنديد بعض القادة بالجرائم في بعض الأحيان على نحو فردي، إلا أنهم نادرا ما يستشهدون بالمبدأ الذي وضعه المجتمع الدولي كإطار للعمل.
فما الذي حدث لـ"المسؤولية عن الحماية"؟
في الواقع، وصل مبدأ المسؤولية عن الحماية إلى ذروته عام 2011، حين استوحى المجتمع الدولي تدخله في ليبيا، بحسب سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض، "من مبدأ المسؤولية عن الحماية". ولكن بعد فترة وجيزة، أدى فشل المجتمع الدولي في التحرك في سوريا إلى دفن هذا المبدأ. فهل فشل المجتمع الدولي في إنجاح مبدأ "المسؤولية عن الحماية"، أم إن طموحاته وتوقعاته كانت غير واقعية منذ البداية؟
ظهور مبدأ "المسؤولية عن الحماية"
ظهرت ضرورة تدخل المجتمع الدولي لمنع جرائم القتل الجماعي ومواجهة الأزمات الإنسانية في تسعينات القرن الماضي. وتاريخيا، اتفقت معظم الدول الغربية- نظريا على الأقل- على ضرورة احترام سيادة الدول. وبالرغم من عدم قبول قيام حكومة ما بمعاملة سكانها بشكل مسيء، إلا أن هذا لم يكن مبررا لتدخل المجتمع الدولي للدفاع عن المضطهدين. وبشكل عام، هيمن هذا التصور على وجهات النظر خلال فترة الحرب الباردة، حين كانت تدخلات الدول الغربية تعتمد على الأسس السياسية- مثل الانتماء الآيديولوجي (شيوعية ورأسمالية)، أو التحالفات الدولية (تأييد الدول للولايات المتحدة أو الاتحاد السوفياتي)– وتولي القليل من الاهتمام للأوضاع الداخلية في تلك الدول.