مصر وتركيا... استمرار مسار التقارب بين البلدين

تأتي المصالحة الوليدة بين مصر وتركيا في سياق إقليمي من التسويات الكبرى

EPA
EPA

مصر وتركيا... استمرار مسار التقارب بين البلدين

إثر لقاء الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان، والمصري عبد الفتاح السيسي، بدا الأول متفائلا بخصوص آفاق العلاقات مع مصر، على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي يوم 10 سبتمبر/أيلول الماضي.

وقال للصحافيين وهو في طريق عودته إلى بلاده إن الاجتماع كان "إيجابيا للغاية،" مضيفا أن تركيا تريد تعزيز العلاقات مع القاهرة. وكشف أن وزيري الخارجية التركي والمصري، ورئيسي المخابرات، سيرتبان مواعيد لتبادل الزيارات الرئاسية خلال الفترة المقبلة.

ونقل السفير التركي المعين حديثا في القاهرة، صالح موتلو سين، عن إردوغان قوله إن مصر وتركيا ستزيدان التجارة الثنائية وإحياء مجلس التعاون الاستراتيجي بينهما، معربا عن تفاؤله بقدرة البلدين على تحقيق نتائج إيجابية في كثير من القضايا الإقليمية.

بيد أن بعض المراقبين في القاهرة يعتقدون أن الحديث عن مصالحة كاملة بين مصر وتركيا والأمل بها أسهل من تحقيقها، ويستشهدون بما يصفونه "اختلافات أساسية" بين البلدين.

سياق التدهور في العلاقات الثنائية

وكان لقاء إردوغان مع السيسي في نيودلهي هو الثاني بين الزعيمين، بعد لقاء جرى بوساطة قطرية في الدوحة شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022، خلال افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم.

وكانت العلاقات بين مصر وتركيا قد تدهورت بشكل كبير بعد إطاحة الجيش المصري، بدعم شعبي، بمحمد مرسي، الذي كان أحد الأعضاء البارزين في جماعة "الإخوان المسلمين"، عام 2013، والتي حظرتها مصر لاحقا وصنفتها تنظيما إرهابيا. وقد احتج إردوغان علنا على الإطاحة بمرسي ودافع عن قادة الجماعةوأعضائها، الذين تمت إدانة بعضهم في جرائم مريعة، مثل قتل ضباط من الشرطة والجيش المصريين.

نقل السفير التركي المعين حديثا في القاهرة، صالح موتلو سين، عن إردوغان قوله إن مصر وتركيا ستزيدان التجارة الثنائية وإحياء مجلس التعاون الاستراتيجي بينهما، معربا عن تفاؤله بقدرة البلدين على تحقيق نتائج إيجابية في كثير من القضايا الإقليمية.

كان الصعود السياسي لجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، في أعقاب سقوط نظام الرئيس حسني مبارك عام 2011، مجرد تفصيل صغير في الصورة الأكبر للتمكين السياسي للإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة على هامش ما عُرف إعلاميا بـ "الربيع العربي"، وهو سلسلة من الثورات التي اجتاحت المنطقة من تونس إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا.

وكانت تركيا تعلق آمالا كبيرة على سيطرة الإسلاميين على دول المنطقة، بما في ذلك مصر، كما يقول الخبير في الشؤون الإسلامية منير أديب.

وأضاف أديب لـ"المجلة": "لا تعتقد تركيا أنها تنتمي إلى أوروبا حيث تقع جغرافيا، بل إنها تجد في الحركات الإسلامية عبر المنطقة العربية تعبيرا أصدق عن هويتها الثقافية"، مضيفا أن أنقرة "كانت تعتقد أن دعمها للإسلاميين الذين يتولون مقاليد السلطة في المنطقة سيخدم مصالحها الخاصة".

ويبدو أن إطاحة الجيش بمرسي كانت تنطوي على نتيجتين سيئتين لإردوغان لم يتقبلهما البتة. أولاهما بداية انهيار الخطط الإقليمية التي وضعها إردوغان لبلاده في مرحلة ما بعد الربيع العربي والتي كانت تعتمد في المقام الأول على استيلاء الإسلاميين على الدول الإقليمية. وثانيتهما أن الإطاحة أنتجت حلقة جديدة من الهيمنة العسكرية في دولة عربية مهمة، وهو التطور الذي عادة ما تكون له آثار بعيدة المدى في المنطقة، وربما في تركيا نفسها.

AFP

ولم يلبث أن بدأت مخاوفه تتجسد فيما يتعلق بأول الشرين، حين راحت الأنظمة الإسلامية التي حكمت دولا إقليمية لفترة تتعثر الواحدة تلو الأخرى بعد سقوط الإخوان في مصر. أما مخاوفه فيما يتعلق بالشر الثاني فتجلت عندما حاولت مجموعة من ضباط الجيش التركي القيام بانقلاب ضد حكومته، في يوليو/تموز 2016.

وكان دعم الزعيم التركي لجماعة الإخوان المسلمين على الدوام في قلب الانتقادات اللاذعة في القاهرة. وبالإضافة إلى التحدث باسم الجماعة، فقد قدم ملجأ لقادتها وسمح لقنوات الإخوان التلفزيونية بالبث من تركيا. والحال أن معظم قيادات الإخوان الذين لجأوا إلى تركيا مطلوبون من قبل السلطات المصرية لتورطهم في جرائم تتعلق بالإرهاب والتحريض، وهما الأمران اللذان دفعت مصر ثمنهما غاليا في العقد الماضي.

تطويق مصر

ولم تكتف تركيا إردوغان بإلقاء ثقلها بالكامل خلف جماعة "الإخوان المسلمين"، بل حاولت محاصرة مصر من خلال الحصول على موطئ قدم في جوارها المباشر، وتحديدا في ليبيا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقعت تركيا اتفاقا لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني في غرب ليبيا. كما وقعت اتفاقا آخر مع الحكومة نفسها بشأن وجود قوات تركية وقواعد عسكرية في غرب ليبيا. وقد شجبت مصر ودول إقليمية أخرى، بما في ذلك اليونان وقبرص، الاتفاقيتين.

وكان وجود القوات التركية في ليبيا مقلقا للقاهرة التي رأت في هذا الوجود تهديدا للأمن القومي، في ظل العلاقات المتوترة مع أنقرة والتقارير حول رعايتها لنقل الجهاديين إلى ليبيا من دول أخرى، بما في ذلك سوريا.

ووفق محمد ربيع الدهي، المتخصص في الشؤون التركية، فإن القلق المصري بشأن هذه التطورات يرجع جزئيا إلى موقف مصر الأولي تجاه حكومة غرب ليبيا. وأوضح الدهي لـ"المجلة" أن "هناك مصالح مشتركة بين تركيا وحكومة غرب ليبيا".

يبدو أن الاحتياطيات الهيدروكربونية الهائلة في شرق البحر الأبيض المتوسط هي السبب العميق وراء التحركات التركية في المنطقة، بما في ذلك تجاه دول المنطقة مثل مصر. وقد تم بالفعل اكتشاف بعض هذه الاحتياطيات قبالة سواحل مصر وقبرص وإسرائيل ولبنان. 

وإلى جانب المخاوف من تنامي عمليات التهريب عبر الحدود المشتركة مع ليبيا، فإن الوجود العسكري التركي في الدولة المجاورة حدا بمصر إلى تشديد الإجراءات الأمنية على طول الحدود، بوسائل شتّى بينها إنشاء قاعدة عسكرية ضخمة بالقرب من الحدود.

ووضع السيسي خطا أحمر في الصحراء حول مدينة سرت الليبية وحذر من أن الهجمات على المدينة من قبل القوات الموالية لحكومة غرب ليبيا ستعتبر هجوما على مصر مما يعجل بتدخل الجيش المصري.

الثروة الهيدروكربونية

يبدو أن الاحتياطيات الهيدروكربونية الهائلة في شرق البحر الأبيض المتوسط هي السبب العميق وراء التحركات التركية في المنطقة، بما في ذلك تجاه دول المنطقة مثل مصر. وقد تم بالفعل اكتشاف بعض هذه الاحتياطيات قبالة سواحل مصر وقبرص وإسرائيل ولبنان. وتسعى تركيا جاهدة للعثور على بعض الاحتياطيات قبالة سواحلها وتصبح أيضا قناة رئيسة للطاقة إلى أوروبا.

ولكن سلسلة اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية التي أبرمتها مصر مع دول المنطقة تسببت في تبخر الأحلام التركية في هذا الصدد.

ولهذا السبب تأمل تركيا أن تتمكن من إبرام صفقة مماثلة مع مصر، حيث تحدثت في مناسبات عديدة عن الفوائد التي تعود على الدولة العربية من مثل هذه الصفقة المنشودة.

إلى ذلك، فإن منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، الذي أسسته مصر، وهو منظمة شبيهة بمنظمة أوبك تضم منتجي ومستهلكي الغاز الإقليميين، يستبعد تركيا أيضا، مما يحطم آمالها في لعب دور فعال في مجال الطاقة الإقليمي بشكل أكبر.

آثار بعيدة المدى

تأتي المصالحة الوليدة بين مصر وتركيا في سياق إقليمي من التسويات الكبرى ووسط ظروف إقليمية متغيرة. ولكن وتيرة إصلاح العلاقات بين القاهرة وأنقرة بطيئة للغاية.

ولعل لقاء زعيمي البلدين في نيودلهي يمكن أن يعجل بهذه العملية، خاصة في ضوء حماسهما الواضح لتحسين العلاقات بين بلديهما في هذا السياق الإقليمي والدولي المتغير.

وما يجدر ذكره رغم كل شيء أن العلاقات الاستثمارية والتجارية بين البلدين استمرت، رغم كل الصعاب، في النمو بشكل ملحوظ في العقد الماضي منذ أن توترت العلاقات بينهما.

ويرى اقتصاديون في القاهرة أن مصر وتركيا ستستفيدان كثيرا من الناحية الاقتصادية من تحسن العلاقات بينهما.

وقالت علياء المهدي، العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، لـ"المجلة" إن "على البلدين استغلال تحسن العلاقات السياسية في زيادة العلاقات التجارية والاستثمارية، نظرا لثقل تركيا الاقتصادي".

وأضافت: "إن مصر في حاجة ماسة إلى الاستثمارات، ليس من تركيا فحسب، بل من جميع الدول الأخرى أيضا".

ومن الممكن أن يكون للحل السياسي المحتمل بين البلدين آثار بعيدة المدى، ليس فقط في المناطق التي يتصادمان فيها حاليا، مثل ليبيا، ولكن أيضا في معالجة القضايا الإقليمية مثل تلك الموجودة في سوريا والتوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط.

العلاقات الاستثمارية والتجارية بين البلدين استمرت، رغم كل الصعاب، في النمو بشكل ملحوظ في العقد الماضي منذ أن توترت العلاقات بينهما. ويرى اقتصاديون في القاهرة أن مصر وتركيا ستستفيدان كثيرا من الناحية الاقتصادية من تحسن العلاقات بينهما.

تمتلك مصر، التي تطمح إلى أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة، القدرة على استكمال الدور المرغوب لتركيا في مشهد الطاقة الإقليمي والدولي، لا سيما بالنظر إلى مرافق تسييل الغاز الواسعة في مصر بالقرب من البحر الأبيض المتوسط.

ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان لكلا البلدين معالجة الأسباب الكامنة وراء التوترات بينهما لضمان مصالحة دائمة، كما أشار المحللون. وتشمل هذه التوترات الأساسية الدعم التركي للجماعات الإسلامية والتدخل التركي في شؤون الدول العربية. وبينما تم إحراز تقدم في حل بعض هذه القضايا، لا يزال هناك عمل يتعين القيام به لمعالجة قضايا أخرى.

ومن الممكن أن يكون للحل السياسي المحتمل بين البلدين آثار بعيدة المدى، ليس فقط في المناطق التي يتصادمان فيها حاليا، مثل ليبيا، ولكن أيضا في معالجة القضايا الإقليمية مثل تلك الموجودة في سوريا والتوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وتمتلك مصر، التي تطمح إلى أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة، القدرة على استكمال الدور المرغوب لتركيا في مشهد الطاقة الإقليمي والدولي، ولا سيما إذا تأملنا مرافق تسييل الغاز الواسعة في مصر بالقرب من البحر الأبيض المتوسط.

ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان لكلا البلدين معالجة الأسباب الكامنة وراء التوترات بينهما لضمان مصالحة دائمة، كما أشار المحللون. وتشمل هذه التوترات الأساسية الدعم التركي للجماعات الإسلامية وتدخل أنقرة في شؤون الدول العربية.

وكما يقول الدهي: "يجب معالجة أسباب التوتر هذه أولا، بما في ذلك الدعم التركي للجماعات الإسلامية والتدخل في شؤون الدول العربية... وبينما تم إحراز تقدم في حل بعض هذه القضايا، لا يزال هناك عمل يتعين القيام به لمعالجة قضايا أخرى".

font change

مقالات ذات صلة