من نيويورك وهو يحضر الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، تسلم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني دعوة من أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي لزيارة البيت الأبيض، لتنتهي سجالات التنبؤ والتأويلات بشأن موقف الإدارة الأميركية من حكومة الإطار التنسيقي التي يقودها السوداني. ولتبدأ جوقة المطبلين والجيوش الإلكترونية لقوى الإطار التنسيقي الترويج لهذه الزيارة باعتبارها (فتحا مبينا)، بعد أن كانوا يرفعون شعارات مقاومة الأميركان وضرورة إخراج قواتهم العسكرية من العراق، وحتى الاعتراض على حضور وحركة السفيرة الأميركية في بغداد.
لا أعتقد أن خطابات قوى الإطار التنسيقي التي ترفع أغلب زعاماتها شعارات ضد الأميركان، ستطالب السوداني بالاجتماع معهم وتحديد أهم الملفات التي سيبحثها في لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي بايدن، ولا حتى مع المسؤولين في الإدارة الأميركية. فهم يشعرون بالراحة والاطمئنان لمجرد حدوث هذه الزيارة، بصرف النظر عن الملفات التي ستبحث فيها؛ لأنها بالنتيجة تعدها قبولا بحكومتهم وإقرارا بواقعهم السياسي الجديد الذي يدمج بين ثنائية السياسة والسلاح.
في المقابل، لا أحد يمكن أن يتكهن بما سوف يدور في الجلسات المغلقة بين الرئيس بايدن ورئيس الحكومة العراقية السوداني، ولا حتى بين الوفد العراقي والمسؤولين الأميركان في البيت الأبيض، وخصوصا مسؤولي الخزانة الأميركية والبنك الفيدرالي والبنتاغون! فالملفات المعقدة تبحث في تلك الدوائر المهمة، وملفات العراق الأكثر تعقيدا الآن تواجه تحديات داخلية بسبب اشتراطات تلك الدوائر.
العقدة الرئيسة في العلاقة مع الأميركان، تكمن في عدم تحديد طبيعة العلاقة بين واشنطن وبغداد في إدراك قوى السلطة في العراق، ولا حتى الحكومة؛ إذ لحد الآن لا نعرف الموقف الرسمي والسياسي من العلاقة بين البلدين: هل هي علاقة حلفاء استراتيجيين أم أصدقاء؟ فمواقف الكتل السياسية متباينة بين من يعتبرها صديقا، ومن يراها حليفا استراتيجيا، وثالث يتماهى مع مقولة "أميركا الشيطان الأكبر". ولذلك لا يمكن بناء تصوّر متكامل عن الملفّات التي ستبحثها زيارة السوداني إلى واشنطن، وهو لم يحدد موقفه ورؤيته من العلاقة مع أميركا.
تناقضات المواقف السياسية من العلاقة مع الولايات المتحدة قد تكون هي الأكثر وضوحا؛ أمّا رؤية السيد السوداني وقدرته على تحويلها إلى واقع يحكم العلاقة بين البلدين فغير واضحة. ويدرك السوداني تماما أن القوى السياسية لا تجتمع على مفهوم محدد (لمصلحة العراق). وربما لن تكون ظهيرا له في أي اتفاق سياسي أو اقتصادي أو عسكري يترتب على زيارته المرتقبة.
تخبط السياسة الخارجية للعراق
لا أحد يعرف حتى الآن ما هي رؤية حكومة السوداني لإدارة ملف العلاقات الخارجية وتحديدا التعامل مع طهران وواشنطن، ورؤيتها لإدارة منظومة أمنية هجينة تتجاذبها الخلافات الداخلية وتعد بوابة للتدخلات الخارجية؛ فحكومة السوداني أمام تحدي إقناع الأميركان والإيرانيين بأنّ العراق يجب أن يكون نقطة لقاء وليس تقاطع، وهذا يحتاج ترتيب البيت السياسي العراقي من الداخل أولا، وفيما بعد تفعيل الاقتصاد ليكون هو المحور الذي تقوم عليه الشراكة، وليس الهيمنة بين الأطراف المتنافسة. لكن كيف يكون ذلك، ونحن نعيش في بلد فيه أكثر من جهة وحزب وزعيم يصادر قرار الدولة الخارجي؟!