تحلّ اليوم الثالث والعشرين من سبتمبر/ أيلول الذكرى الخمسون لرحيل (أو اغتيال؟) الشاعر التشيلي بابلو نيرودا (1904 -1973)، أحد أعظم شعراء أميركا اللاتينية وأكثرهم شهرة وتأثيرا على المستوى العالمي. حاز على جائزة نوبل للآداب عام 1971، وقال عنه غابرييل غارثيا ماركيز، إنه "من أفضل شعراء القرن العشرين فى جميع لغات العالم".لكن المؤكد أن الاحتفاء بهذه الذكرى يأتي في ظرف حساس جدا بسبب الجدل المستمر حول سبب وفاة الشاعر. إذ لا يزال الغموض يحيط بملابسات هذه القضية الحساسة، سياسيا وحقوقيا وثقافيا، بعد مرور أكثر من عقد على فتح تحقيق قضائي في الملف، وظهور قرائن وأدلة جديدة تؤكد أغلبها نظرية "الاغتيال السياسي".
لنقترب من هذا اللغز المحير، يتعين علينا أن نعود إلى عام 1973، وهو العام الأهم في تاريخ تشيلي الحديث بكل تأكيد. قبل هذا التاريخ بأربع سنوات، كان السيناتور الشيوعي السابق بابلو نيرودا قد تخلى عن ترشيحه للرئاسة لصالح حليفه الاشتراكي سلفادور الليندي،وانتهى الأخير بالفوز في عام 1970، وعيّن بابلو نيرودا، الداعم النشط لسلفادور الليندي، سفيرا في فرنسا، حيث عاش هناك قبل أن يعود إلى تشيلي في عام 1972. وعند عودته، هتف له حشد مبتهج في الملعب الوطني في سانتياغو، لكن سلفادور الليندي أطيح به بانقلاب عسكري قام به أوغوستو بينوشيه في 11 سبتمبر/ أيلول 1973. وبعد اثني عشر يوما، توفي بابلو نيرودا في في عيادة سانتا ماريا بالعاصمة سانتياغو، عن عمر يناهز 69 عاما. وكانت شهادة الوفاة الرسمية آنذاك واضحة للغاية: سبب الوفاة هو التفاقم المفاجئ لمرض سرطان البروستاتا الذي شخّصت إصابته به في فرنسا عام 1969.