بلغت سفينة العرب شاطئا جديدا غامضا. بالنسبة إلينا، تشبه اللحظة هذه، "لحظة 1492م"، التي عاشها العالم عند وصول كريستوفر كولومبوس شاطئ القارة الأميركية. اعتقد البحار الإيطالي أنه حقق حلمه بالاتجاه إلى الهند من طريق الغرب.
لم يعرف كولومبوس، ومعه العالم القديم، أن اكتشافه سيتجاوز في أهميته كل ما كان سيفتحه طريق تجاري جديدة مع الهند. لم يجد العالم ما يُسمي اكتشاف كولومبوس غير "العالم الجديد" بعدما أدرك أن الشواطئ الخلابة التي رست عليها سفن "سانتا ماريا"، و"نينا"، و"بينتا" هي مدخل إلى عالم زاخر بالشعوب ذات الحضارات القديمة وتلك التي كانت لا تزال في الأدغال. عالم مليء بالثروات والفرص والمحن ستفتح كلها فصلا يغير المغامرة البشرية على نحو لم يسبق له مثيل.
هكذا نحن. أمام شواطئ قارة الذكاء الاصطناعي الهائلة، مساهمتنا التقنية في الوصول إلى القارة هذه محدودة، بيد أن تأثرنا بها غير معروف الحدود. هناك من العلماء مَن يقول إن لقاء الأوروبيين الوافدين إلى "العالم الجديد" بعد رحلات كولومبوس مع السكان الأصليين، أعاد اللحمة إلى فرعين من الإنسانية انفصلا، أحدهما عن الآخر، أكثر من عشرة آلاف سنة، أي منذ هاجر أجداد مَن أطلق عليهم الأوروبيون اسم "الهنود الحمر" إلى القارة الأميركية عبر الطريق الشمالي الذي كان متجمدا وسالكا في العصر الجليدي الأخير. فهل يلتقي الإنسان الحديث بصنوه وندّه المتمثل في "الذكاء الاصطناعي"؟ وهل سيسفر اللقاء عن تدمير أحد الطرفين للآخر على نحو ما فعل الأوروبيون بشعوب "العالم الجديد"؟
قياس المستقبل على الماضي
قياس التأثيرات التي سيحملها الذكاء الاصطناعي إلى المجتمعات العربية يفترض النظر إلى الخصوصيات وإلى التجارب السابقة القريبة ونتائجها التي تختلف في شأنها الآراء والتقييمات.
افتقارنا إلى القدرة على استشراف المستقبل استشرافا علميا، يجعلنا نميل إلى استخدام الأدوات التي بين أيدينا مثل القياس المنطقي والمقارنة والاستنباط.