جسدت مقابلة ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية، أهداف ومخرجات رؤية 2030 على أرض الواقع حتى قبل بلوغ عام 2030، بل عززت تأكيد استدامة الرؤية بعد سنوات قليلة عند إعلان رؤية 2040 والتطلع دائما إلى المستقبل.
أتوقف عند كلمة ولي العهد عندما تحدث عن دعم "أوبك بلس" لتوازن أسواق النفط من حيث العرض والطلب وسد الفجوة في حال نقص الإمدادات أو العكس، وقال إن المملكة العربية السعودية حريصة على تحقيق هذا الاستقرار وملتزمة اتفاق "أوبك بلس"، وإن قراراتها لا تدعم طرفا على حساب آخر أو اقتصادا دون آخر، مؤكدا دور "أوبك" الاقتصادي بعيدا من أي أجندات سياسية، ونافيا أن يكون هناك دعم لروسيا بصفتها أحد منتجي دول "أوبك بلس"، كما لم يكن هناك دعم لإيران سابقا على الرغم من الخلافات السياسية آنذاك.
هل كان سينجح تحالف "اوبك بلس" لولا دعم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؟
أتمّ تحالف منتجي "أوبك بلس" عامه السابع، وكان شهد خلال ذلك تحديات لم تشهدها منظمة "أوبك" على مدى سنيها الـ 63. الجدير بالذكر، أن كل ما انجز في أسواق الطاقة العالمية واستقرارها وكل العمل الإيجابي الذي قادته "أوبك بلس"، جاء تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان.
فعام 2016 لم يشهد فقط انطلاق رؤية السعودية الطموحة 2030، بل شهد أيضا انطلاق التحالف الذي بدأ جهوده منذ مطلع عام 2017، وهو ما اعتبر عودة لـ"أوبك" إلى سياسة إدارة السوق، بعدما أحبطت كل آمال أسواق النفط خلال السنوات القليلة التي سبقت قيام التحالف في إيجاد بديل يُعتمد عليه في تحقيق التوازن المطلوب للأسواق دون جهود منظمة "أوبك".
وهذا ما جعل العالم أمام واقع ثابت، وحقيقة قاطعة في وجه كل من ادعى أن منظمة "أوبك" قد ماتت سريريا، وخسرت دورها الرئيسي كصمام أمان لأسواق النفط، وهو ما كان يتداول قبيل إطلاق عمل تحالف منتجي "أوبك بلس".
أفضى دعم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وهندسته لاتفاق "أوبك بلس" في نهاية عام 2016، أثناء اجتماع قمة العشرين في بكين، إلى تجديد أسواق النفط ثقتها بقدرة منظمة "أوبك" على إعادة التوازن إلى السوق
أفضى دعم ولي العهد السعودي وهندسته لاتفاق "أوبك بلس" في نهاية عام 2016، أثناء اجتماع قمة العشرين في بكين، إلى تجديد أسواق النفط ثقتها بقدرة منظمة "أوبك" على إعادة التوازن إلى السوق على نحو سريع وناجح من خلال خفض مخزونات النفط الفائضة تلك السنوات. واستمر هذا الدعم حتى مع تغيير الإستراتيجيا من خفض الإنتاج إلى رفعه لتغطية الطلب وتعويض عجز الإمدادات.
بعد مضي 18 شهراً من نجاح "أوبك بلس"، اجتمع ولي العهد مرة أخرى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء افتتاح كأس العالم في روسيا في اللقاء المشهور الذي أكد فيه الأمير محمد بن سلمان تعزيز التعاون لتوازن الأسواق واستقرار الاقتصاد العالمي بكلمات، رسمت الطريق لإكمال مسيرة نجاح التحالف: "اليوم لدينا اتفاق كبير جدا وتاريخي وهو اتفاق 'أوبك بلس'، ورأينا الفائدة التي تحققت في السنوات القليلة الماضية، وبغض النظر عمن سيربح المباراة اليوم، نحن متأكدون أن روسيا والسعودية ستحققان انتصارات أخرى بعيدا من المباراة".
عزز ذلك نجاح "أوبك بلس" كمؤشر قوي لاستمرار التعاون السعودي - الروسي للسنة الثالثة على التوالي آنذاك، تزامنا مع وصول إنتاج النفط في السعودية وأميركا وروسيا إلى مستويات قياسية فاقت الـ 11 مليون برميل يومياً، مع احتفاظ المملكة بدورها المحوري لتوازن السوق كأكبر مصدّري النفط في العالم بنحو 7,4 ملايين برميل يومياً. وتأتي روسيا في المرتبة الثانية بتصدير نحو 5 ملايين برميل يومياً.
رسم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان طريق "أوبك بلس" حتى بعد نجاح خفض الإنتاج وتعافي السوق لمواصلة العمل لتعزيز توازن السوق إلى ما بعد عام 2018. ولا ننسى جهوده في دعم تحالف منتجي "أوبك بلس" في الخفض التاريخي للإنتاج أثناء جائحة كوفيد-19، الذي بلغ نحو 10 ملايين برميل يوميا، لاحتواء أكبر صدمة للطلب على النفط في ذلك الوقت.
وفاء المملكة الدائم بالتزاماتها
للعوامل الطبيعية دور في تقادم حقول النفط والمساهمة في نقص إمداداتها تدريجياً مع مرور الزمن، وهو أمر كثيرا ما تجاهلته شركات النفط العالمية التي تأثرت أرباحها بعد هبوط أسعار النفط على أثر الركود الاقتصادي العالمي، مما تسبب في انخفاض استثمارات المنبع في النفط والغاز حول العالم، في حين لم ينطبق ذلك على السعودية، حيث متانة قواعد العمل في هذا القطاع أقوى من التأثر بأي تغير عابر، لتثبت المملكة أنها المنتج الأقوى والركن الأمين والملاذ الآمن لكل ما يتصل بقطاع النفط.
رسم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان طريق "أوبك بلس" حتى بعد نجاح خفض الإنتاج وتعافي السوق لمواصلة العمل لتعزيز توازنها إلى ما بعد عام 2018. ولا ننسى جهوده في دعم تحالف منتجي "أوبك بلس" في الخفض التاريخي للإنتاج أثناء جائحة كوفيد-19
واستمرت المملكة في المضي قدما في تنفيذ كل ما يدعم متطلبات تطبيق رؤية 2030 لاقتصاد أقوى، وتنويع مصادر الدخل، والعمل على تأمين كل السبل التي تضمن اعتلاء المملكة المكانة التي تستحقها بين مصاف الدول الكبرى والمؤثرة، ليس في المحيط الإقليمي فحسب، بل في المحيط الدولي والعالمي.
كيف تأثرت حصة المملكة السوقية؟
على الرغم من جهود المملكة لتحقيق التوازن في أسواق النفط، إلا أن بعض منافذ الإعلام النفطي الغربي استمرت في الترويج بأن هناك تحدّيا كبيرا يواجه المملكة، التي، كما يدّعون، يتضاءل نفوذها في أسواق النفط العالمية، وبأنها أمام خيارين أحلاهما مر: إمّا خفض الإنتاج للدفاع عن الأسعار، أو السماح للسعر بالهبوط لحماية الحصص السوقية. إلا أن المملكة لم تستهدف قط سقفا معينا للأسعار لأن هدفها هو توازن السوق، ولعل المرونة التي تنفرد بها السعودية في ضبط الإنتاج أكبر دليل على تلبية حاجة السوق وسد الفجوة بين العرض والطلب، وهو الدور الذي عجز عنه كبار المنتجين في العالم.