الذكاء الاصطناعي ينمو في الجامعات المصرية وبين الشباب

فيما الخوف قائم على خصوصية البيانات والوظائف

آندي بوتس
آندي بوتس

الذكاء الاصطناعي ينمو في الجامعات المصرية وبين الشباب

حتى سنوات قليلة مضت، كان المصريون يقاومون بشدة أي ملامح لرقمنة حياتهم، وكانت لديهم مخاوف وتحفظات إزاء سحب الرواتب والمعاشات بالبطاقات المصرفية، حيث كانوا يفضلون التعامل مع البشر وليس الصرافات الآلية، واضطروا جبرا إلى أن يتعاملوا مع هذه الأخيرة، بعد أن فرضت المصارف عمولات على السحب المباشر من الفروع.

ومع جائحة "كوفيد- 19"، اضطر كثيرون إلى الإقبال على خدمات التسديد الرقمية، لا سيما في صفوف المستخدمين الجدد، وسط قلقهم وخشيتهم من تخزين معلوماتهم المالية على الإنترنت، أو أن تكون أجهزتهم غير مؤمّنة بما يكفي.

وخلال السنوات الثلاث المنصرمة، بات الذكاء الاصطناعي حاضرا في يومياتهم وبدأ يتغلغل في كل ركن من أركان الحياة، في مجالات التعليم والصحة والاقتصاد والزراعة والمصارف ومعظم المصالح الحكومية ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، وبات أثره واقعا لا بد من اللحاق به وجزءا أساسيا من خياراتهم.

على المستوى الاستراتيجي أطلقت الحكومة المصرية المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، برئاسة وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وحددت مسؤوليته في وضع استراتيجية للذكاء الاصطناعي وتنفيذها. وتفوقت الحكومة في أدائها في هذا المجال على أداء شركات القطاع الخاص، فقد أنشأت وزارة الاتصالات مركز الابتكار التطبيقي، الذي يعمل على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات عدة، بالإضافة إلى إطلاق منصة خاصة للذكاء الاصطناعي لتكون البوابة الرسمية لجمهورية مصر العربية في هذا المجال. كذلك أعدت الوزارة أيضا برامج خاصة لطلاب الجامعات والخريجين والمهنيين، بما في ذلك الوظائف التقنية وغير التقنية، وصولا إلى القادة في القطاع الخاص والعام.

أما على مستوى القطاعات غير الرسمية، ففيها نماذج مبهرة واجتهادات جذبت الاهتمام العالمي، على مستوى الأفراد والشركات الصغيرة الناشئة المهتمة بقطاع التكنولوجيا وتفرعاته المرتبطة بالاقتصاد والمالية.

مصر تقدمت في مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي الحكومي بمقدار 46 نقطة، إذ انتقلت من المركز الـ111 عام 2019 إلى المركز الـ65 عام 2022، وهو يعتبر متقدما نسبيا إذا نظرنا إليه من زاوية العدد الإجمالي لدول العالم

وسجلت إنجازات الشباب المصري على مستوى المنافسات الدولية المرتبطة بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي خصوصا مستويات متقدمة، على الرغم من أن المساهمات في معظمها كانت بجهود فرق ومجموعات أو حتى أفراد خارج المنظومة الرسمية، في حين كان بعضها بإشراف ومتابعة من جامعات مصرية.

وتصدرت الجامعات المصرية المشاركين في أول مسابقة دولية للذكاء الاصطناعي( The International Collegiate Programming Contest) عام 2021، بمجموعة من الفرق مؤلفة من طلاب هذه الجامعات.

يُنظر إلى مصر على أنها في مرحلة نمو وتطور كبيرين في وظائف الذكاء الاصطناعي وأهميته، وإن كان معظمها مرتبط بأعمال خارجية، في قطاع الخدمات الدولية، نظرا لضعف البنية التحتية والعقبات التي قد تواجه ترخيص مشاريع كهذه تتطلب الوصول إلى معلومات يعتبرها القانون المصري "سيادية".

الذكاء الاصطناعي في التعليم

على الرغم من مقاومة الأهل لفكرة "التابلت"، أو ما يعرف بالكمبيوتر اللوحي، في مصر قبل ثلاث سنوات، وإصرارهم على الكتاب الورقي والقلم والكراس خلافا للتوجهات المستقبلية، يبدي التعليم الرسمي والخاص اهتماما كبيرا في الانتقال إلى هذه الأداة، التي يجري تعميمها في المدارس والجامعات، في ظل بيئة معولمة، وتوفر المعلومة في شكل مجاني تقريبا على الشبكة العالمية، انطلاقا من مسؤولية تطوير المهارات الشخصية وتنميتها بعد تلقي الأساسيات في نظام تعليمي يعاني من شح الإمكانات.

وعلى الرغم من اتساع الفجوة بين الدول المتقدمة وبين مصر في هذا المجال، لا يزال استخدام هذه التقنية في بداياته، ومن ثم، لا تزال الفرصة متاحة للحاق بهذا الركب، واستيعاب ما يدور في نطاقه.

رويترز

وحققت مصر تقدما ملحوظا في مجال الذكاء الاصطناعي، وفق ما أعلنت عنه أخيرا وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية هالة السعيد؛ إذ أكدت أن مصر تقدمت في مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي الحكومي بمقدار 46 نقطة، إذ انتقلت من المركز الـ111 عام 2019 إلى المركز الـ65 عام 2022، وهو يعتبر متقدما نسبيا إذا نظرنا إليه من زاوية العدد الإجمالي لدول العالم.

ماذا يحمل المستقبل للشباب

ما بين الشباب والمتخصصين تختلف الآراء عن وضع مصر والجامعات والطلاب فيما يخص الذكاء الاصطناعي وما يتوقعون أن يحدث في المستقبل. تقول كريستينا قيصر، مديرة برمجة المشاريع في شركة "فودافون" العالمية، وهي في أواخر العشرينات من العمر، في حديث مع "المجلة": "إن مصر تركز حاليا في كثير من القطاعات على تبني الذكاء الاصطناعي والابتكار مع توسعها بالتعاون مع شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بعدما باتت التقنية حقيقة وجزءا من حياتهم، وتيقنت الدولة أننا أمام عصر جديد، على الرغم من أنه لا يزال في بداياته".

وتُخبرنا قيصر أن الجامعات المصرية اتجهت في الآونة الأخيرة إلى إدخال تخصص الذكاء الاصطناعي في كليات الحاسبات والمعلومات، وجرى تغيير أسماء عدد منها إلى كليات الحاسبات والذكاء الاصطناعي لتكون لديها جاهزية للحاق بركب التطورات العالمية للتكنولوجيا وتأهيل الطلاب لحجز أماكن لهم في سوق العمل، إلى جانب افتتاح عدد من الجامعات الأهلية في مدينتي الجلالة والعلمين لكليات متخصصة بالذكاء الاصطناعي.

الحكومة المصرية أعدّت استراتيجية للذكاء الاصطناعي قبل ثلاث سنوات، ووضعت تطبيقاته نُصب عينيها، باعتباره أداة داعمة لتقديم الخدمات عن بُعد، كما أنه يجذب القطاعات الشابّة للعمل من دون الارتباط بالمؤسسات على النحو النمطي

عضو غرفة تكنولوجيا المعلومات المصرية الدكتور أحمد صبري

وتضيف: "لم يتخرج أي طالب من هذه الكليات حتى الآن، لأن تلك الأقسام أُنشِئت نهاية عام 2019، وبالتالي لا يمكن الحكم على نجاح هذه الخطوة من عدمه. لذلك يواجه أولياء أمور الطلاب تحديات كثيرة لعدم اقتناعهم بضرورة إلحاق أبنائهم في تلك الأقسام، التي لم يجر ربطها بسوق العمل، ولا يزالون يفضلون التحاقهم بكليات تقليدية كالهندسة والحاسبات والمعلومات، خصوصا أن مجال العمل في تقنيات الذكاء الاصطناعي في مصر محدود للغاية، ولأن الحكم على جودة خريجي هذه الكليات سيكون في الأغلب دوليا وليس محليا".

وتشير قيصر إلى تفضيل نسبة من المصريين التعامل مع البشر عن الآلات، لوجود عقبات كثيرة في البنية التحتية للإنترنت وخروج الخدمة في بعض الأحيان عن العمل. وترى قيصر أن مصر غير مؤهلة في بنيتها التحتية عموما أو شوارعها طبقا للمعايير الدولية للتحول الكبير إلى الذكاء الاصطناعي، مثلا هل تتوافر بيئة صالحة للسيارات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي للسير في شوارع القاهرة؟

لكنها تلفت إلى "أهمية المنظمات والجامعات التي تعمل في مصر لتشجيع العمل بالذكاء الاصطناعي بين الطلاب بالتعاون مع هيئة تنمية صناعات تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا) ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتقديم دورات كاملة في الذكاء الاصطناعي لتأهيل طلاب الجامعات من الناحية التكنولوجية".

خوف على الوظائف

تثير تقنية الذكاء الاصطناعي بعض المخاوف من مزاحمة البشر في الوظائف وهي مخاوف لها وجاهتها، كما يرى يوسف ناشد، وهو شاب حديث التخرج في الحقوق، حيث يقول: "إن الذكاء الاصطناعي بات ضرورة في حياتنا كشباب في مصر لأنه يعد وسيلة سريعة لتجميع معلومات غزيرة من مصادر مختلفة بطريقة منظمة". ويضيف في حديث مع "المجلة": "إن اختفاء بعض المهن خلال السنوات العشرين المقبلة التي قد يتفوق فيها الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري في مجالات محددة ممكن. لكن العنصر البشري يبقى أساس الابتكار والتطوير، ذلك أن الذكاء الاصطناعي مجرد أداة لمساعدة الإنسان على توفير الوقت في المهمات التي تتطلب أوقاتا طويلة في العمل". ويتوقع أن "يساهم الذكاء الاصطناعي بنسبة سبعة في المئة في الناتج المحلي الإجمالي لمصر بحلول عام 2030"، مستندا إلى بيانات "مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار" التابع لمجلس الوزراء.

ويقول عضو غرفة تكنولوجيا المعلومات المصرية الدكتور أحمد صبري، لـ"المجلة" ان الحكومة المصرية "أعدّت استراتيجية للذكاء الاصطناعي قبل ثلاث سنوات، ووضعت تطبيقاته نُصب عينيها، باعتباره أداة داعمة لتقديم الخدمات عن بُعد، كما أنه يجذب القطاعات الشابّة للعمل من دون الارتباط بالمؤسسات على النحو النمطي". كذلك أطلق الميثاق المصري للذكاء الاصطناعي المسؤول في أبريل/نيسان 2023 لبلورة الأطر التنظيمية للاستخدام الأخلاقي والمسؤول للتقنيات الذكية في المجتمع. واستجابت الدول في أنحاء العالم كله، ولا سيما في أوروبا وآسيا، بصياغة مسودات تشريعات شاملة للذكاء الاصطناعي. في المقابل، لا تزال الدول النامية، بما فيها مصر، تتلمس طريقها في تطوير التشريعات المطلوبة لتنظيم تطبيقات الذكاء الاصطناعي وممارساته، ولا سيما بعد الانتشار غير المسبوق لروبوت الدردشة "ChatGPT".

آندي بوتس

في المقابل، يلفت الدكتور علاء النهري نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء لـ"المجلة" الى أن "الذكاء الاصطناعي بدأ حديثا في مصر وهو في مراحله الأولية، والدولة مهتمة وتحاول تشجيعه، لكن المشكلة التي تواجهها هي عدم ربط خريجي تلك الجامعات بسوق العمل وهو ربط يعد المحفز الرئيس والأساس، ذلك أن الشباب يريدون الالتحاق بتلك الجامعات لكن لديهم تخوفات من عدم تلبية سوق العمل لطموحاتهم، إلى جانب عدم إلمام كثير من الشركات في مصر بمعرفة الذكاء الاصطناعي".

ويطالب النهري القطاع الخاص بتبني هذا المجال، كونه القطاع الأكثر مرونة لتلبية متطلبات الشباب لتطوير الأعمال، ويرى أن "أبرز القطاعات الحالية التي تركز على الذكاء الاصطناعي في مصر هي علوم الفضاء وقطاع الاتصالات، ومع استمرار تأثير الذكاء الاصطناعي في حياتنا بشكل عام تصبح الحاجة إلى سن قوانين أكثر إلحاحا ولا سيما بالنسبة إلى الدول النامية على غرار مصر".

المواطن في مقابل الذكاء الاصطناعي

كشف استطلاع للرأي أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في مجلس الوزراء المصري خلال يونيو/حزيران 2023، شمل عينة من المواطنين البالغين 18 عاما فأكثر، عن خطورة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على المستقبل، أن نسبة كبيرة من المواطنين المصريين يرونه خطرا وتهديدا كبيرا، وأن أخطار الذكاء الاصطناعي المستقبلية ستكون لها انعكاسات على نمط حياة البشر والمجتمعات وعملية اتخاذ القرار ومعايير الحوكمة، إلى جانب آثار في مجال التعليم والوظائف.

ويتفق جوجو أشرف، الطالب في كلية علوم الكمبيوتر في الجامعة الكندية في مصر، والذي يدرس مادة في علوم الذكاء الاصطناعي، مع هذا الرأي، معتبرا أن للذكاء الاصطناعي أخطارا جمة أبرزها إلغاء كثير من الوظائف والاعتماد على هذه التقنية لأنها توفر الوقت والجهد والرواتب، كما يمكنه أن يتدخل في الحروب لخفض التدخل البشري، فهو يستطيع برمجة الأسلحة ومعدات القتال، كما يمكنه اتخاذ قرار الهجوم. ومن السلبيات أيضا، إلغاء العقل البشري كونه سيعتمد على الذكاء الاصطناعي دون تفكير وابتكار، وسيصل إلى مرحلة التشبع بالمعلومات.

تطوير الذكاء الاصطناعي في مصر سيقتصر على محاولات فردية لشركات صغيرة تعمل في مجال البرمجيات داخل السوق المصرية لصالح كيانات أخرى دولية أكبر وأكثر قدرة على الاستفادة منه وتطوير تلك الشركات

وقال أشرف لـ"المجلة": "يمكن للذكاء الاصطناعي خلال السنوات الخمس المقبلة أن يلغي كثيرا من الوظائف، حتى وظيفة المبرمج نفسه، لأنه سيمتلك البيانات والمعلومات كلها عن الأمور الحياتية والعملية بما يمكنه من تخطي الأشخاص، بل والاستغناء تماما عن العنصر البشري. وقرأنا عن تسريح شركات عالمية متخصصة في المبيعات والتجارة الإلكترونية آلاف العاملين، ومنها: "أمازون"، و"إي. باي"، وإحلال روبوتات وبرامج ذكاء اصطناعي محلها".

وأضاف: "لكن في الوقت نفسه، للذكاء الاصطناعي كثير من الإيجابيات لأنه بات واقعا وحتميا، فهو يختصر الجهد والوقت حيث يسهل على الطلاب كثيرا من الأمور في الدراسة من خلال إجراء البحوث والبرمجة، كما يساعد الطلبة في التعليم من خلال "تشات جي. بي. تي."، وهو أفضل من "غوغل" في البحث عن المعلومات، إذ يمكنه التحاور مع المستخدم ومصادقته". 

 

ولفت أشرف إلى وجود كثير من "أكواد" البرمجة التي يمكن الحصول عليها من خلال الذكاء الاصطناعي.

ويتفق مهندس الصيانة في شركة أجنبية تنشط في الرياضة والترفيه، جورج جميل، في الرأي مع أشرف، حيث أوضح لـ"المجلة" أنه "على الرغم من إنشاء مصر المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي، فإن عدم وجود بنية تحتية للتعليم والبرمجيات يؤجل الآمال في هذا الصدد إلى وقت ليس بقريب، ولا سيما إذا قارنا مركز مصر في سوق البرمجيات ونظم المعلومات بدول أخرى مثل الهند كمثال لدولة تعاني من مشاكل مماثلة، لكنها خطت خطوات واسعة في تطوير قطاع البرمجيات والتكنولوجيا".

وأضاف أن تطوير الذكاء الاصطناعي في مصر سيقتصر على محاولات فردية لشركات صغيرة تعمل في مجال البرمجيات داخل السوق المصرية لصالح كيانات أخرى دولية أكبر وأكثر قدرة على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتطوير تلك الشركات.

font change

مقالات ذات صلة